… 17 يونيو 2020، تاريخٌ دَخَلَ التاريخ في منطقةٍ يترنّح واقعُها الجيو – سياسي فوق فوهة «براكين» حوّلت الشرق الأوسط «حزام نارٍ» صار يلفّ خرائطَ النفوذِ الخارِق للحدود والحارِق لـ… الخطوط الحمر.
وفيما كان العالم مشدوداً أمس، إلى بدء «زمن قيصر» الأميركي والحزمة الأولى من عقوباته على رأس النظام السوري ومحيطه، فإن حلولَ «الساعة صفر» لسريان هذا القانون جاء وقْعُها مدوياً وإن مع «كواتم للصوت» في لبنان القابع في عيْن «عاصفة التنين» الإقليمية والذي بدا عالقاً «بين ناريْ» التمرّد على «قيصر» فيما هو يتلمّس طريقه إلى تَوافُق صعب مع صندوق النقد الدولي لوقف الانحدار السريع في قلب الهاوية المالية – الاقتصادية مع ما سيتركه ذلك من ارتداداتٍ «قاضمة» لِما تبقى من جسور تربطه بالشرعيتين العربية والدولية، والتزام موجباته وما قد يتركه ذلك من انعكاساتٍ «قاصمة» لاستقراره الداخلي الذي يقف على «برميل بارود» بصواعق متشابكة داخلية وخارجية.
ورسمتْ إطلالةُ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ليل الثلاثاء، هذه المعادلة الصعبة التي بات الواقعُ اللبناني يتحرّك بين حدّيْها، بعدما حدّد «بلا قفازات» مسار التصدّي لـ «قيصر» وفق «خيارٍ قيصريّ» على طريقة الهروب بلبنان إلى الأمام و«الانتقال به» إلى التخلي عن الدولار والاستدارة إلى الشرق واعتبار «إيران هي الحل» ومعها الصين، من ضمن استراتيجية «المصير الواحد» بين أطراف المحور الإيراني الذي يتعاطى مع القانون الأميركي الذي بدأ تطبيقه على أنه بمثابة «إعلان حرب» جديدة بالعقوبات تفتح الباب على عملية «عض أصابع» قاسية في سياق قرار واشنطن بقطْع أذرع طهران في المنطقة وإخراجها والقوى الموالية لها من سورية وجرّ نظام الأسد إلى حلّ سياسي بشروط الولايات المتحدة.
ورغم أن أوساطاً سياسية قاربت مواقف نصرالله على أنها تعكس واقعاً مأزوماً يمرّ به «حزب الله» والمحور الإيراني، إلا أن هذه القراءة لا تقلّل في رأي مصادر مطلعة من وطأة ما تعبّر عنه لجهة إعلان اقتياد لبنان إلى النموذج الفنزويلي وإلى تموْضعٍ صِدامي مع واشنطن والغرب تحت سقف لاءين كبيرتيْن:
* الأولى لإثارة موضوع نزْع سلاح الحزب وتطبيق القرار 1559 – انطلاقاً من بعض التحركات التي كانت حصلت قبل نحو أسبوعين تحت هذا العنوان – متفادياً أي إشارة للاستراتيجية الدفاعية كمدخل لمعالجة هذا السلاح، ومعلناً «لو تحدثتم مثلاً من الآن لمليون سنة لن تستطيعوا بالشعارات أن تقنعوا مَن كان يواجه ويتعرض للاعتداءات الإسرائيلية اليومية وأنتم تتعبون أنفسكم على الفاضي، وما حدا قادر يأكل رأس حدا، وهذا الموضوع بالنسبة لجمهور المقاومة أصبح عقيدة وثقافة ورؤية استراتيجية وإيمان».
* والثانية بوجه أي تفكيرٍ في أن «قيصر» وعقوباته يمكن «أن تقلّب بيئة المقاومة على المقاومة فمَن يعتقد ذلك هو فاشل، ويضيع الوقت سنة وسنتين و100 سنة»، مع توعُّد بأنه «إذا أوصلونا إلى معادلة السلاح مقابل الغذاء، والذي يضعنا بين خيارين: إما نقتلكم بالسلاح أو بالجوع أقول، سيبقى السلاح بين يدينا ونحن سنقتلك، سنقتلك، سنقتلك»، داعياً بإزاء «منْع الأميركيين من نقل الكميات الكافية من الدولار إلى لبنان، وتدخّلهم لدى مصرف لبنان لمنع ضخ الدولار بكمية كافية في الأسواق بحجة أن الدولار يجمع من السوق ويؤخذ الى سورية» إلى اعتماد «باب فَرَج» على قاعدة «عدم الرضوخ للأميركيين وانتظارهم إذ يمكن أن نجد دولة إقليمية صديقة مثلاً إيران وأن تبيعنا بنزين، غاز، مازوت، فيول، مشتقات نفطية وبتروكيمائيات، واحتياجات أخرى من دون دولار وبالعملة اللبنانية مثلاً أو عبر اعتماد سياسة المقايضة في السلع بين البلدين».
على أن أكثر ما استوقف المصادر المطلعة في إطلالة نصرالله، كان مقاربته «قيصر» على قاعدة «أن سورية ولبنان شيء واحد في هذا الموضوع» واعتبار هذا القانون «آخِر أسلحة الأميركيين ضد سورية، وستتصدى له كل الدول الحليفة للنظام السوري»، مع تهيئته اللبنانيين لمرحلةٍ قاسية تحاكي الحروب الطويلة فـ «موضوع الاقتصاد والجوع والدولار اليوم حرب، ويحتاج إلى روحية حرب وعقل حرب وإرادة حربٍ وشجاعة حرب وثقة، ونحن قادرون، ولسنا بحاجة للأميركيين».
وفي حين كانت السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي لم يوفّرها نصرالله، تزور وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتّي الذي استوضحها عن تداعيات «قانون قيصر» على الشركات اللبنانية العاملة في سورية، اشتدّ «حبْس الأنفاس» حيال مدى قدرة لبنان على الانسياق وفق «خيار المواجهة حتى النهاية» مع الولايات المتحدة الذي أعلنه نصرالله «على قاعدة» نغرق معاً أو ننجو معاً.