Site icon IMLebanon

الانحراف بالإقتصاد شرقاً… إستبدال العلاج بالانتحار

كتبت ايفا أبي حيدر في “الجمهورية”:

في ظل قانون «قيصر» والضائقة المالية التي يعانيها لبنان، والخوف من ارتفاع منسوب الحصار، تنطلق دعوات منذ فترة للبحث عن بديل في الشرق. فهل يمكن لخيار من هذا النوع أن يكون ناجعاً على المستوى الاقتصادي؟

تقول مصادر اقتصادية مطلعة لـ«الجمهورية» انّ اقتراح التوجّه نحو الصين باعتماد العملة المحلية يجوز فقط في حال كان لدينا مدخول من اليوان، أي عملة الصين. وإذا قررت الصين الاستثمار في لبنان فذلك سيكون كقرض على الدولة أن تدفع ثمنه. والصين لن تقبض من لبنان بالعملة اللبنانية بل بالدولار او باليوان الصيني. في الحالة الأولى، أي إذا كانت تريد ان نسدد ثمن القرض بالدولار، فهذا يعني اننا لا نزال في المشكلة نفسها لا نملك الدولار لدفع ثمن القرض، امّا في حال أردنا التسديد باليوان، فنحن لا نصدّر شيئاً الى الصين كي نملك هذه العملة ما يطرح علامات استفهام عدة حول كيف يمكن لهذه العلاقة ان تنجح.

امّا عن اقتراح التعاون مع ايران على ان يكون الدفع من خلال مبادلة البضائع مثل استيراد الفيول مقابل صادرات لبنانية، فليس معلوماً بعد ما الذي يصنعه لبنان وتحتاجه ايران بكثرة، لكنّ الأكيد انّ ايران أيضاً لن تقبل بالعملة اللبنانية.

من جهته، إستبعد رئيس تجمع رجال الاعمال فؤاد رحمة إمكانية ان تقبل هذه الدول او أي دولة التعامل مع لبنان على أساس العملة اللبنانية، لا بل «يا ليت» تقبل أي دولة التعامل بعملتنا فهذا شبيه بحلم. امّا عن مبادلة انتاجنا بالفيول او حاجاتنا، فقال: انّ ما نُنتجه نستهلكه محلياً والفائض نصدّره الى الخارج فيدرّ علينا أموالاً طازجة أيfresh money بالدولار، نحن بحاجة اليها ونستعملها في السوق المحلي. وتساءل هل انّ المنتجات السورية تُباع في ايران او في الصين؟ إذا كان هذا هو النموذج المطلوب اتّباعه فلنلاحظ الدول الأكبر منّا كيف تتعامل معه؟ فلنكن واقعيين إذ لا يمكن للبنان ان يكون خارج الشرعية الدولية، إنما يمكن أن ينفتح على الصين واميركا وروسيا وفرنسا والبلدان العربية والخليجية… فنحن سوق صغير علينا الدخول الى الأسواق الكبيرة، كما علينا تجنّب كل ما يحدّ من قدرتنا على العولمة.

ورأى انّ ما يُطرح في هذا الشأن هو كلام بالسياسة وليس بالاقتصاد، ولا حل امامنا الّا بالإصلاح، فليس القضاء او الشرطة من يضبط السوق، إنما العرض والطلب الذي يرتبط خصوصاً بالثقة التي تكتسب بالإصلاحات الفعلية المنتظرة منذ مؤتمر باريس 2. وقال: مهما كان القرار الجيوسياسي الذي سيتخذه لبنان عليه أولاً أن يصلح البيت حتى لو أراد التوجّه الى الصين. فما علاقة قانون قيصر او كورونا او كل ما يحصل في العالم بتأخير تعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان او تعيين الهيئة الناظمة؟ ما الذي يؤخّر قرار إغلاق كل الصناديق؟ ما الذي يؤخّر البدء بمفاوضات جدّية لإعادة هيكلة الدين الداخلي المقوّم بالليرة اللبنانية؟ وما الذي يمنع الحكومة من التفاوض مع المصارف اللبنانية، بل على العكس أبلغتها انها لن تعيد لها أموالها وانها ستخصم من حجم الدين. للأسف، هناك غباء في التعاطي مع هذه الملفات، لا يوجد عاقل في العالم سيقبل بمقاربة الحكومة.

وقال: ببساطة انّ عجز الدولة اللبنانية يبلغ 6 مليارات دولار، منها ملياران ونصف مليار عجز في الكهرباء، يضاف اليها 6 مليارات كلفة الدين، 8 مليارات دولار كلفة مصاريف الدولة وتشغيلها، ومليار و300 مليون دولار هي مشاريع للصيانة…. أما آن الأوان للبدء باتخاذ خطوات إصلاحية تبدأ بتشييد معامل الكهرباء على الغاز وتشكيل مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان وتشكيل الهيئة الناظمة؟ ألا يمكن تقليص حجم الدولة وتكاليفها التشغيلية التي تصل الى 8 مليارات دولار؟ ألا يمكن ضبط مشتريات الدولة؟ ما الذي يحول دون بدء مفاوضات بين المصارف والحكومة لإعادة جدولة الديون بالليرة اللبنانية وخفض الفوائد بما من شأنه تأمين وَفر في حدود الـ 4 مليارات دولار؟.

كذلك ألا يمكن ضبط الحدود والمرافئ الشرعية؟ من غير المسموح أن يكون نصف الاقتصاد لا يدفع رسوماً جمركية ولا ضرائب حتى وصلنا الى ما نحن عليه اليوم، فلو أعطَت هذه المحميّات السياسية نتيجة لكنّا قبلنا باستمرارها، إنما على العكس إنّ كلفة هذه المحميات أدّت الى وصول سعر الصرف الى 7000 ليرة مقابل الدولار والى عجز الدولة والى المضاربة غير المشروعة مع الشركات الشرعية العاجزة اليوم وتقوم بتسريح عمّالها. انّ ما ندفعه اليوم هو ثمن الاقتصاد الرديف.

وتابع: تقترح الحكومة اليوم تصفير الدين وإنشاء 5 مصارف جديدة، فبعد إعدام 60 مصرفاً هل من يتجرّأ على إنشاء مصارف جديدة في لبنان؟ عدا ذلك، مَن طلبَ تصفير العداد؟ حتى صندوق النقد لم يطلب ذلك. المطلوب الذهاب نحو الصندوق بخطة واضحة ومقنعة وليس زحفاً، المطلوب ان تَعي الحكومة مقدار الخسارة، أمّا تَحمّل الكلفة وكيفية إقفال الفجوة فهي قضية سيادية. ولفت الى انّ ارتفاع حجم اقتصادنا من 5 مليارات دولار عام 1992 الى 55 ملياراً عام 2018 هو أكبر دليل على انّ حل الدين العام ليس بتصفيره إنما بالنمو الذي حصل خلال السنوات السابقة بالتعاون ما بين القطاع الخاص والمصارف.

وشدّد على ان ليس من خلال تصفير عدّاد الدين ستأتي المساعدات الدولية إنما بعد التأكّد من وقف الهدر المُستدام والمحاصصة وضبط الحدود، حتى الصين لن تتعاون معنا اذا لم نقم بالإصلاحات.