كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
لا يمكن لأين كان تجاهل كلمة الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الأخيرة، والتوقف امام شكلها ومضمونها وتوقيتها. فقد جاءت عقب اتهام الثنائي الشيعي بالوقوف وراء جزء من اعمال التخريب في وسط بيروت، وعلى ابواب ما تنتظره المنطقة من تطبيق قانون «قيصر». ولذلك طُرح السؤال: من سيشاطره التوجّهات التي دعا اليها من بين اهل الحكم والحكومة قبل غيرهم؟ وهل من ظروف موضوعية للأخذ بها؟ ومن يتحمّل تبعاتها؟
ليست المرة الأولى التي يضطر فيها المراقبون للتوقف ملياً امام اطلالات السيد نصرالله، فقبل الأخيرة منها، كرّس إقتناع كثيربن بأنّه قد رسم وما زال يرسم خريطة الطريق الى المقبل من الايام في المحطات المفصلية. وهو من يحدّد البوصلة في اتجاهها وسير الأحداث وتطوراتها منذ سنوات عدة. فقد سبق له ان حدّد طريقة إنهاء فترة الشغور الرئاسي، كما رسم الإستراتيجيات الكبرى للعهد الجديد، قبل ان يرضخ من رضخ للتسوية السياسية وآلية تشكيل الحكومات السابقة، التي سبقت تشكيل الأخيرة منها. وان اراد البعض ان يتناسى او يتجاهل بعضها، فإشارته الى امكان بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي كانت كافية لانطلاقها، اياً كانت النتائج المتوقعة منها مستقبلاً، بعد الغاء الإجتماع الأخير بين وفدي لبنان والصندوق، من دون تحديد الموعد المقبل.
على هذه الخلفيات، أجرت مصادر سياسية وديبلوماسية قراءة أولية لمضمون خطاب نصرالله امس الاول، في توقيته وشكله ومضمونه، وتوقفت امام الملاحظات الآتية:
– في التوقيت الذي لا يخضع لكثير من التأويلات، انّه جاء عشية تطبيق قانون «قيصر» الخاص بالوضع في سوريا، ومعاقبة النظام على ما ارتكبه، بالإستناد الى الظروف التي قادت الى وضعه، بدءاً من حمله لإسم من قاد اليه. كما انّه جاء عقب البلبلة التي رافقت التحرّكات الشعبية والاعتداءات التي شملت الاملاك العامة والخاصة في بيروت ومناطق عدة من لبنان، وتحميل الثنائي الشيعي مسؤولية اعمال التخريب التي طاولت مصارف ومؤسسات في وسط بيروت، لمجرد القول انّ مرتكبيها قادوا الدراجات النارية، سواء انطلقوا من الخندق الغميق أو من الضاحية الجنوبية لبيروت أو غيرها. بالإضافة الى ما بلغه الوضع النقدي في لبنان، والفشل الرسمي والحكومي في ادارته، على وقع الخلاف القائم حول هوية المسؤول عمّا آلت اليه التطورات على المستويات كافة.
– اما في الشكل، فقد كثرت السيناريوهات التي تحدثت عن الشكل الذي اطل به السيد نصرالله، والذي لم يأت بجديد، سوى الخلاف في تفسير حركات اليد وتعابير الوجه. فاختلفوا بين قائل انّه «مهموم»، بعدما عبّر بـ «مرارة» عن «اسفه الشديد» لاتهام الثنائي الشيعي بما حصل من شغب وتخريب، وهو الذي «لا يمثل جميع الشيعة»، معترفاً بوجود «الصوت الشيعي الثالث» ولو «بخفر»، ليحمّل مسؤولية ما حصل – إن كان مصدره البيئة الشيعية – لمجموعات صغيرة لا تتعدّى عدد اصابع اليدين مرتين او ثلاث. في حين اعتبر آخرون، انّه اطلّ «واثقاً من نفسه» وقدّم «خطاباً مفصلياً» يرسم شكل التطورات المقبلة والقرارات التي يجب ان تُتخذ، لعبور الاستحقاقات الداهمة ومواجهة ما يُفرض على لبنان والمنطقة.
– اما في المضمون، فقد فضّلت المراجع الفصل الجدّي بين مقاربته للوضع الداخلي في الحكم والحكومة وعلى المستويات كافة. فالشأن الداخلي من خطابه يحتمل كثيراً من الجدل قياساً الى المرونة التي يمكن «الحزب» اعتمادها في كثير من الملفات الداخلية، لمنع اي صدام بين ابناء الصف الواحد. ومن اجل حماية الإنجازات التي حققها الحزب في الحكم والحكومة. وفي اعتبار انّ معظم المعاناة التي تعيشها السلطة، مردّها الى خلافات اهل البيت من الحلفاء وحلفاء الحلفاء، وهو ما يفرض عليه معالجتها بمرونة القادر على تفكيك العقبات الداخلية بميزان الجوهرجي.
ولذلك، فقد فضّلت هذه المصادر التوقف عند المضمون الاقليمي والدولي للخطاب وحجم الترددات المتوقعة على لبنان. فهو في صلب ما يستهدفه «قانون قيصر»، ليس لمجرد كونه من دول الجوار السوري فحسب، فلإيران في رأيهم قاعدة اساسية في لبنان، سمحت لها بالوصول الى شاطئ المتوسط وعلى الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، ولا تمتلك حدوداً يُعترف بها، سوى مع البحر والدولة والنظام المستهدفين بـ«قانون قيصر».
ولذلك، توسعت السيناريوهات المرتبطة باقتراحات نصرالله، ولا سيما منها تلك التي جدّد الحديث عنها بالإنفتاح على الشرق من البوابة السورية وصولاً الى طهران وبكين وغيرها من الدول المشابهة لها، في المحور الذي يخوض المواجهة مع واشنطن. ومن هنا، تعدّدت الأسئلة حول امكان السعي الى ما اقترحه، رغم المصاعب التي تواجه بعضاً من الاقتراحات، الى حدود استحالتها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
– انّ طلبه استخدام الليرة اللبنانية في التبادل التجاري مع طهران او دمشق وبغداد، او اللجوء الى منطق تبادل السلع بين الدول، لا يمكن اللجوء اليه في ظلّ الأزمة النقدية التي تعصف بالليرة في الداخل اللبناني. كما انّ التجارب السابقة لا توحي بذلك. فالسعي الأميركي الى تصفير إنتاج ايران من النفط ومشتقاته، لا يسمح باستيراده منها، ليس بسبب عدم القدرة على فتح الاعتمادات مع طهران فحسب، بل لأنّ النظام المصرفي في لبنان لا يسمح بذلك، وان لجأ لبنان الى آلية يعتمدها الحزب من خارج هذا النظام، فماذا ستكون عليه النتائج الكارثية المترتبة على ما تبقى من علاقات لبنان الدولية؟
-وفي الملاحظات ايضاً، على من يدعم هذا الرأي ان يتذكّر انّ لبنان لم يتمكن من تلقّي الهبات الإيرانية سابقاً، ويراقب مصير المِهل المحدودة التي اعطتها واشنطن لبكين وطوكيو وانقرة وبغداد وغيرها، لإستيراد النفط الإيراني، في بداية مرحلة العقوبات على طهران، قبل وقف استجراره نهائياً. ولمن قدّر عالياً المبادرة الإيرانية تجاه فنزويلا في الفترة الأخيرة، لا يمكن تجاهل مصير «ألكسي صعب» الذي اعتُقل قبل ايام، وهو المتهم بترتيب هذه الصفقة، في مقابل الذهب الذي احتكر استخراجه من جنوب البلاد بالتفاهم مع ابناء الرئيس الفنزويلي.
والى كل ما سبق، قالت المصادر عينها، انّه كان على السيد نصرالله ان يستفتي حلفاءه بما تقدّم من افكار ومخارج للأزمة، للخروج من تحت سطوة العقوبات الأميركية قبل اطلاقها. فهل يوجد من بين المسؤولين من يمكنه قيادة البلاد في هذا الإتجاه؟ وهل يمكن لرئيس الجمهورية او رئيسي مجلس النواب والحكومة وقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ان كان لبنان سيلجأ الى مثل هذه الخيارات غير المرغوبة دولياً؟ وهل بين نواب حاكم مصرف لبنان الجدد مثلاً من يؤمن ليكون مستعداً للمغامرة في رفض تنفيذ العقوبات التي يلتزمها المصرف المركزي، قبل ان يقول «قانون قيصر» بمزيد منها؟ وهل في الإمكان ضمّ هذه المقترحات الى جدول اعمال «اللقاء الوطني الجامع» الخميس المقبل في قصر بعبدا؟ وهل يمكن إن طُبقت العقوبات الجديدة على سوريا والعراق ان يتجاوب مسؤولو البلدين مع ما هو مطروح؟
وامام غيض وفيض الأسئلة المطروحة، لا يمكن الحسم من اليوم بمصير هذه المقترحات. ولعلّ الأيام المقبلة تشي بما يؤدي الى البحث فيها او ضمّها الى ما هو على الرف؟