كتب إيلي الفرزلي في “الاخبار”:
لم يعد التعاقد مع الدولة اللبنانية أمراً مجدياً بالنسبة إلى الشركات الخاصة. ولذلك، تجد منشآت النفط صعوبة في إقناع شركات النفط بالمشاركة في المناقصات التي تجريها لاستيراد البنزين والمازوت. المشكلة الأساس هي في صعوبة فتح الاعتمادات بالدولار، وتفضيل الشركات الاحتفاظ بمؤوناتها لإنجاز أعمالها الخاصة. لذلك، لم تعد المنشآت قادرة على لعب دورها في تأمين التوازن في الأسواق. يترافق ذلك مع ازدياد الحديث عن توجه لدى مصرف لبنان لتقليص تدخّله في تأمين الاعتمادات الدولارية للمستوردين.
الدور الذي كان مخططاً أن تلعبه منشآت النفط كصمام أمان للحفاظ على حاجة السوق من مادة البنزين يكاد ينتهي قبل أن يبدأ. بعد نجاحها، بشق النفس، في استيراد ١٥٠ ألف طن من البنزين (أعيدت المناقصة أكثر من مرة لعدم وجود ٣ عروض)، يبدو أنها لن تتمكن من استيراد شحنات إضافية. بعد نفاد تلك الكمية التي فازت شركة ZR Energie بعقد استقدامها، لم تستقطب المناقصة الجديدة أي شركة، بالرغم من إعادتها مرتين. وزارة الطاقة لا تزال تأمل أن تنجح في حثّ الشركات على المشاركة، لكنها حتى اليوم لم تتمكن من ذلك. لا أحد يهتم بالفوز بالعقد، بالرغم من أن أرباحه مضمونة. الشركات العالمية تحجم عن التعامل مع لبنان، فيما الشركات اللبنانية تعمل على قاعدة الأولوية لاستيراد البنزين لصالحها. وهي تفضّل، بالتالي، الاحتفاظ بالاعتمادات لتأمين حاجتها. فالمشكلة الأساس التي تواجه أصحاب الشركات هي في عدم القدرة على فتح الاعتمادات المصرفية. مصرف لبنان يتأخر في تنفيذ التزامه بتأمين ٨٥ في المئة من الاعتمادات الدولارية، والمصارف الأجنبية تزيد من تشددها حيال الاعتمادات الآتية من لبنان، فلا تدفع ثمن الشحنات قبل حصولها على الأموال، كما كان يحصل سابقاً. اليوم، تتأخر في الدفع، حتى بعد وصول الاعتمادات. وهي لم تعد تتعامل مع المصارف اللبنانية كما السابق. لكل ذلك تعطي الشركات الأولوية لتسيير أعمالها. في الأساس قلة من هذه الشركات تستورد المحروقات بشكل مستقل. الاستيراد يتم جماعة، عبر استقدام بواخر كبيرة وتقاسم حمولتها. وهذه الشركات على ما يبدو لم تستسغ أن تسهم في تعزيز قدرة الدولة على منافستها أو حتى الحصول على حصة في السوق، وخاصة أن الشركات لم تعد بالقوة المالية التي كانت عليها سابقاً. من أصل ١٢ شركة نفط، أربع شركات فقط هي التي تستطيع اليوم فتح الاعتمادات، وهي في الغالب التي تملك أموالاً في الخارج.
الأمر نفسه يحصل بالنسبة إلى استيراد المازوت. مناقصتان فشلتا بسبب عدم اكتمال شروط المنافسة. شركة liquigaz وحدها هي التي تقدمت إلى المناقصة. بحسب القانون، يحق للوزارة بعد فشل مناقصتين على التوالي التعاقد مع الشركة المتقدمة للمناقصة. «ليكويغاز» التي تنفذ عقداً حالياً لاستيراد المازوت، كانت تدرك أن أحداً لن يتقدم لمنافستها في المناقصة الجديدة. رفعت سعرها بشكل كبير، وبما يفوق السعر المعمول به حالياً. ولذلك، رفضت الوزارة التعاقد معها. مع ذلك، ثمة تأكيد مستمر من الوزارة أن لا أزمة محروقات في الأفق. لكن القلق صار في مكان آخر. الحديث يزداد عن اقتراب مصرف لبنان من التوقف عن تأمين ٨٥ في المئة من اعتمادات المحروقات (للشركات الخاصة)، بسبب النزف المستمر في احتياطيه من العملات الأجنبية. القلق ليس مبنياً على معلومات مثبتة، لكن أحد العاملين في القطاع يقول إذا كان ما نسمعه شائعات، فإننا ندرك أنها لن تبقى كذلك لفترة طويلة. تلك عبارة تدبّ الذعر في نفوس كثر. فهي مرادفة للانهيار التام. أي أمر من هذا القبيل سيعني وصول سعر صفيحة البنزين إلى ٥٠ ألف ليرة. وهو ما لا يمكن أن يتحمّله المواطن ولا الحكومة. لذلك، فإن الدعم يُفترض أن يبقى بأي شكل كان.
لكن في المقابل، فإن أزمة فقدان المازوت من الأسواق لا تزال ترمي بثقلها على عدد من القطاعات التي يضطر أصحابها إلى شراء المازوت عبر السوق السوداء. ترافق فقدان هذه المادة مع بدء الأسعار العالمية للنفط بالارتفاع. لذلك، كانوا يشترون المازوت على سعر متدن ويخزّنونه إلى حين إعلان جدول أسعار جديد بأسعار أعلى. أصحاب المولدات اتهموا المحطات وشركات النفط بتخزين كميات كبيرة، فيما حمّل أصحاب المحطات المسؤولية للشركات، متهمين إياها بتخزين بضاعتها، وحتى البضاعة التي يتم شراؤها من المنشآت. كان يفترض بأصحاب المولدات أن يكونوا أول من يشتري المازوت من المنشآت. لكن تجمع أصحاب المولدات لم يدخل في «البازار»، كما يقول رئيسه عبدو سعادة، متهماً من يشترون، بشراء كميات للتجارة والتخزين لا لحاجتهم الشخصية.
التخزين أفقد الأسواق هذه المادة الحيوية، فوصل السعر في السوق السوداء إلى ٢٠ ألف ليرة. مع ذلك، يُتوقع أن تنتهي الأزمة قريباً لسببين: الباخرة التي استقدمتها شركة liquigaz لصالح منشآت النفط بدأت بتفريغ حمولتها (جزء من العقد السابق)، والأسعار التي كانت ترتفع في الأسابيع الماضية ستستقر بعد مرور ٤ أسابيع من الارتفاع (جدول الأسعار يحدد على أساس سعر وسطي لأربعة أسابيع)، ما يعني بالتالي انتفاء الحاجة إلى التخزين. وعليه، يتوقع مصدر مطلع أن يشهد السوق قريباً طفرة في المعروض من المازوت.