تشهد البلاد حركة اتصالات ولقاءات سياسية لافتة عابرة للاصطفافات التي قامت في اعقاب ثورة 17 تشرين. زياراتٌ بالجملة تُسجّل منذ ايام، وتحديدا منذ حوادث “الويك اند” الماضي الصاخبة امنيا والتي تنقلت بين بيروت وطرابلس، هدفها “وأد الفتنة” المذهبية التي عاد شبحها بقوة الى الساحة المحلية منذ 6 الجاري. إلا ان لهذه الدينامية غرضا ثانيا ايضا – يساهم في تعزيز الاول – ويتمثّل في اعداد الارضية لطاولة حوار وطني، جامعة، يفترض ان يحتضنها قصر بعبدا في 25 حزيران.
رئيس مجلس النواب نبيه بري يبدو لولب هذه الحركة وهو يشغّل محرّكاته في اكثر من اتجاه لتأمين أوسع مشاركة في الحوار. من هنا، التقى مطلع الاسبوع الرئيس سعد الحريري، واستقبل اليوم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، فيما خطوط التواصل لا تنقطع بينه وبين رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الذي زار امس بيت الوسط ايضا، في حين يحلّ ضيفا عليه اليوم الزعيم الزغرتاوي، وأوفدت المختارة ايضا ممثلين عنها الى معراب.
فهل ستثمر هذه الاتصالات كلّها، وتنجح في تأمين مشاركة الجميع في لقاء بعبدا؟ بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، فإن عين التينة ما كانت لتكشف النقاب عن “الجَمعة” المرتقبة (وقد تسرّب خبر الحوار من دوائرها لا من بعبدا)، لو لم تلمس حدا ادنى من التجاوب لدى القوى السياسية. وبالفعل، تضيف المصادر، فإن المواقف التي رشحت حتى الساعة، عن الاطراف التي قاطعت الحوار الاخير الذي عقد في القصر (غداة اقرار الحكومة خطتها الاقتصادية)، وعلى رأسها تيار المستقبل، دلّت الى انها هذه المرة، تبدي ليونة حيال المبادرة ولا تقفل الباب عليها، غير انها تشترط ان تكون منتجة لا شكلية، وهو ما قاله حرفيا امس الرئيس الحريري خلال استقباله جنبلاط. وفي حين لا تستبعد ان تكون لبنشعي المقاربة عينها، تقول المصادر ان القوات اللبنانية في المبدأ لا تعارض الحوار، الا انها تطلب تحديد جدول اعماله اولا، وبطبيعة الحال، تصر على ان يكون مثمرا لا فولكلوريا.
هذه المعطيات، التي تعكس مرونة مستجدة لدى اطراف المعارضة ربما فرضتها الظروف القاتلة الاقتصادية والمالية والامنية التي تمرّ فيها البلاد، ترمي كرة نجاح الحوار، شكلا ومضمونا، في ملعب السلطة. فمشاركة الاطراف مرتبطة بضرورة ان يفضي الى قرارات كبرى تبدّل في حياة المواطنين اليومية الصعبة.. فهل أهل الحكم، من بعبدا الى عين التينة وصولا الى السراي، مستعدّون للتنازل والتعديل في كثير من توجهاتهم، السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، التي أثبتت عقمها على مدى 3 أشهر، لصالح أخرى يتوافقون عليها مع المتحاورين؟ وهل هذه القضايا الكبرى المصيرية، ستُطرح اصلا على بساط البحث؟
على اي حال، قد يساير المعارضون للعهد، الرئيس بري اليوم، فتشهد بعبدا لقاء جامعا خلال ايام. الا ان عدم خروج الحوار بنتائج وازنة حقيقية توضع موضع التنفيذ، يلمس اللبنانيون أثرها على الارض، تبدأ بكيفية انقاذ الاقتصاد وتوقيف تفلّت الدولار، ولا تنتهي بوقف الدفع بلبنان نحو محور الممانعة على حساب “النأي بالنفس”، سيشكّل انتكاسة كبيرة للحوار ولمنظّميه والمشاركين فيه، وسيكرّس مقولة “كلّن يعني كلّن”. ومن يدري، تتابع المصادر، ربما يحاول العهد توريط هذه القوى في تَشَارك مسؤولية الانهيار الشامل المهرول نحونا. فلو كانت ثمة نية صادقة في الانقاذ وشبك الايدي للخروج من الحفرة، هل كان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ليحسم منفردا، موقعَ لبنان الاستراتيجي الى جانب ايران وسوريا وفنزويلا؟