Site icon IMLebanon

معركة القيصر والصمود

كتب د. ميشال الشماعي في صحيفة “نداء الوطن”:

يدخل لبنان في مرحلة جديدة، بعد دخول قانون قيصر الأميركي حيّز التنفيذ. مُقابل ذلك، يبدو أنّ الحكومة اللبنانيّة غير معنيّة بما يحدث، فلا هي سارعت الى تطبيق الإصلاحات التي طالب بها المجتمع الدّولي، ولا وضعت أسس إنهاء تدخّلات “حزب الله” في حروب المنطقة، ولا سعت إلى إقناعه بالتنازل عن سلاحه للجيش اللبناني. كيف سيواجه لبنان تداعيات ما سيحدث؟ وهل ستتمكّن السلطة السياسيّة من الصمود تحت وطأة الضغوط الاقتصاديّة؟

لا شكّ أنّ اللبنانيّين جميعهم باتوا اليوم في معركة صمود لم يفرضها أيّ مُستجِدٍّ خارجي، بل فرضوها هم أنفسهم بأنفسهم. وحفاظاً على الموضوعيّة، أكثر من نصف اللبنانيين غير قابل بهذا الواقع الذي فرضه “حزب الله” وفريقه، حيث جرّا الوطن بأكمله إلى محور داخل في مواجهة العالم بأكمله، منذ تاريخ سقوط الإتّحاد السوفياتي وتحوّل العالم من قيادة ثنائيّة إلى قيادة أحاديّة. ولقد استفاد هذا المحور من بروز قيادات عالميّة مُتعدّدة الأطراف، لا سيّما بعد أحداث 11 أيلول 2001، حيث بات يُجاهر اليوم باستدارة استراتيجيّة للكيانيّة اللبنانيّة، من الغرب الليبرالي إلى الشرق الصيني الأنموذجي في أحاديّة الرأي وقمع حريّة التعبير. لعلّه يرى في هذا التوجّه صورته في المرآة، مُغفِلاً أنّ ما يحاول فرضه لا يُشبه اللبنانيين، ولا تاريخهم في الوجود الحرّ.

يبقى أنّ الصمود المطلوب اليوم ينقسم بدوره بحسب الإنقسام العمودي الذي فرضه تموضع فريق المُمانعة الإستراتيجي، وفق ثلاثة معطيات:

– أولاً: صمود محور الممانعة الذي يُفاخر بجهوزيّته لمواجهة المجاعة الآتية، مُغفِلاً بأنّه في حال كان جاهزاً فلا يعني ذلك جهوزيّة المجتمع اللبناني بأكمله.

– ثانياً: صمود اللبنانيين المُنضوين تحت لواء الحريّة، الذين يرفضون زجّ لبنان في محور يلفظ أنفاسه الأخيرة. وهذه الفئة بدورها تعتمد على نوعين من الصمود:

أ- الصمود الإجتماعي حيث تقوم بعمل تعاضدي تكافلي تضامني بوساطة الأحزاب والجمعيّات الأهليّة التي تدور في فلكها لمساعدة النّاس، من دون أيّ تمييز بينهم.

ب- الصمود السياسي من خلال عمل المجموعة السياسيّة المؤمنة بهذا الخطّ في معركة شرسة للحفاظ على الدّولة التي ما انفكّ محور الممانعة يعمل على إسقاطها بشتّى الطرق.

– ثالثاً: الصمود الثالث هو صمود نابع من وجع النّاس، الذين لا يُريدون الإنخراط في أيّ منظومة سياسيّة، بل جُلّ ما يريدونه هو العيش الكريم في الوطن الذي أحبّوه كثيراً.

من هذا المنطلق، دخل لبنان بأكمله في عمليّة انقسام استراتيجي من نوع آخر، لم يشهد له مثيلاً في تاريخه. فاللبنانيّون باتوا مُنقسمين بين من يُريدون المواجهة، وبين من لا يُريدونها، بل يبحثون في سبل الصمود فقط. ولعلّ ذلك يُضيء للباحث في الفلك اللبناني أنّ استراتيجيّة البقاء في لبنان يجب أن تكون مبنيّة على قاعدة الحياد، لأنّ بلد التاريخ والحضارة لا يستطيع أن يُواجه الكون إلا بفكره وحضارته. لذلك الدّعوات الى تحويل لبنان مُختبراً لملتقى الحضارات والثقافات قد سقطت بسقوط مَن أطلقها، لأنّه بكلّ بساطة عمل بعكسها.

يبقى أنّ المطلوب في هذه المرحلة العمل ومن دون يأس وفق قاعدتين:

– الأولى: القاعدة الدّستوريّة الجمهوريّة من داخل المؤسسات الشرعيّة للدولة، بغضّ النّظر عن أيّ تحفّظ على منظومة الدّولة المُتضعضعة اليوم؛ وذلك للحفاظ عليها كي تكون مؤهّلة للنهوض في المرحلة المقبلة.

– الثانية: القاعدة الإجتماعيّة الإقتصاديّة، وهي الأصعب في هذه المرحلة لعدم اقتناع مَن هُم في الحكم اليوم بضرورة الحفاظ على النّاس، وبضرورة الحفاظ على استمراريّة الحكم.

عدا ذلك، سنُصبح في مشهد مسرحي سورياليّ يُشبه بتفاصيله مسرحيّة “ناطورة المفاتيح”. فالذي يستطيع الرّحيل سيرحل ويترك مفاتيحه لمن يرفض الرّحيل. أمّا نحن، فقاعدتنا مسرحيّة “جبال الصوّان” و”بالّلي بقيو رح منكمّل”.