كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
لا حاجة ليعلنها رئيس مجلس النواب نبيه بالفم الملآن، لأن حراكه المكثف كفيل بالتأكيد أنّه “عراب” اللقاء الحواري الذي ستستضيفه بعبدا في 25 الجاري. أدار رئيس مجلس النواب محركاته الحوارية، محوّلاً عين التينة إلى مطبخ مشاورات عابرة للاصطفافات السياسية، لا سيما مع القوى السياسية التي يشوب الاشتباك علاقتها مع الرئاسة الأولى، سواء كانت من قماشة الحلفاء أو الخصوم. ليست المرة الأولى التي تلتقي فيها الطبقة السياسية بكامل مكوناتها، أو بمعظمها، في قصر بعبدا في محاولة لإيجاد قواسم مشتركة والتقليل من التباينات لا بل الخلافات. ولكن سوداوية المشهد الداخلي تستحق المحاولة. بالأساس، حاولت حكومات ما بعد الـ 2005 جميعها، أقله هكذا أوحت، وضع الأجندة الاصلاحية على سكة التنفيذ ولكن من دون جدوى. لكن الخطر الداهم الذي يحدق بكل ركاب المركب الآخذ في الغرق، يدفع للبحث عن إبرة إنقاذ في كومة الفوضى والهريان الضاربين في الجذور.
لسخريات قدر اللبنانيين، أنّ جلّاديهم هم بأنفسهم منقذوهم. وإذا ما حاول غيرهم من خارج ناديهم التقليدي، أن يصلح ما أفسدته أيديهم، يتحالفون ضده، وبالحد الأدنى، سرعان ما تتقاطع مصالحهم ضده… من دون أن يعني ذلك أن حكومة حسان دياب تبدع في إنجازاتها أو في حراكها الحكومي.
خلال الأيام القليلة الماضية، بدا منسوب الاعتراض على الحكومة مرتفعاً على خلاف ما كان عليه يوم تأليفها. في تلك اللحظة، أي منذ حوالى أربعة أشهر، كانت الحاجة الى حكومة تلتقط كرة النار عن الطبقة السياسية، ماسة. لذا تذرع المعارضون وحتى بعض الموالين، بفرصة المئة يوم ليهادنوا حكومة يريدونها “كيس رمل” لا أكثر. وفجأة صار لا بدّ من التخلص منها.
وحده “حزب الله” لا يزال يرسم خطّاً أحمر حول الحكومة ليحميها من أنياب ذوي القربى، الذين يريدون دفنها في أسرع وقت ممكن. حتى أنّ نائب الأمين العام لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم قال في اطلالته الاعلامية الأخيرة إنّ الحكومة، قد تعمّر حتى موعد الانتخابات النيابية اذا لم يحصل أي أمر استثنائي. اذاً، صار لا بدّ من التعامل معها على أنها باقية، ولكن من الضروري البحث في سيناريوات ما بعدها.
ومع ذلك، يقول المطلعون على حركة الرئيس بري إنّ تدهور الأوضاع هو الذي يدفع رئيس مجلس النواب إلى القيام بحركة معاكسة، على أمل أن تساهم في انتاج ديناميكية تحاول وقف الانهيار الذي بلغ القعر وقد يتسبب بانفجار البركان الاجتماعي في أي لحظة. مأسوية الوضع تستحق المحاولة، ولو أنّ نجاحها ليس مضموناً، لكن الاستسلام للخراب، هو أبغض الشرور. يقول هؤلاء إنّ المعالجات لا يمكن أن تتم اذا بقيت خطوط التواصل مقطوعة بين القوى السياسية، ولأن الطبيعة تكره الفراغ، كان لا بدّ من حركة ما تعوّض التقطّع الحاصل في شبكة العلاقات الداخلية. ولذا كان لا بدّ على سبيل المثال من تدخل لجنة المال والموازنة على خطّ الأرقام وخطة التعافي، لوضع قواعد مشتركة تساعد على خروج اقتراحات القوانين من مجلس النواب، سليمة، ومنعاً لازدواجية الطروحات أمام صندوق النقد الدولي.
وها هو رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية ينضم إلى مربع مشاورات عين التينة أولاً ومن ثم بيت الوسط ثانياً. بين بري والقطب الزغرتاوي الكثير من التقاطعات، وها هما اليوم يتشاركان في تعاملهما مع الحكومة على قاعدة: رجل للأمام وعشر للوراء. أما بين الحريري وفرنجية فأكثر من ودّ وصداقة، لا بل تفاهم كاد يضع ملعقة الرئاسة في حلق رئيس “تيار المردة”.
هذا في التفسير الرسمي لحركة رئيس مجلس النواب. أما في النسخة غير الرسمية، فكلام آخر. ثمة من يقول إنّ مجرد انعقاد اللقاء في بعبدا هو هدف بحدّ ذاته. هنا تكاد تتجاوز الصورة، المضمون. أن يجلس رئيس الحكومة حسان دياب قبالة خصومه وتحديداً السنة منهم، اذا ما نجح بري في إقناع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في المشاركة، فهو اعتراف واضح بمعادلة الشراكة من جانب الحكومة لدفعها الى الامتناع عن خطاب تحميل الطبقة السياسية مسؤولية الانهيار الحاصل، والعمل على وضع مقاربات مشتركة.
ومع ذلك، فإن الغاية من الحركة المكوكية الحاصلة بين عين التينة وبيت الوسط وكليمصنو وبنشعي ومعراب، بفعل الحركة التي يقودها رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، هي تعزيز التواصل بين مكونات هذا الإئتلاف، من دون أن يعني ذلك أنها تتجه الى تشكيل جبهة واحدة. لكن الأكيد أنّ هذا الإئتلاف يحاول ترتيب أوضاعه الداخلية، وتنقية شبكة علاقاته تمهيداً للمرحلة المقبلة، وتحديداً لما بعد عهد الرئيس ميشال عون. واللافت أمس، هو ما أدلى به فرنجية الذي اعتبر أنّ “ممثلي السنّة الحقيقيين ليسوا في الحكومة”.