توجه رئيس جامعة سيّدة اللويزة الأب بيار نجم الى عائلة الجامعة، في بيان، بالقول: “أكتب إليكم، وكم أودّ لو كان اللّقاء الشخصيّ ممكناً، فجائحة كورونا لا يزال خطرها رابضاً،أخاطبكم وفي ذهني كلمة السيّد المسيح ” في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم” (يو ١٦: ٣٣). عالمنا في ضيق، وطننا في محنة متعدّدة الأوجه، جائحة صحيّة، أزمات اقتصاديّة بدأت ترهق كاهل الجميع، ولكنّ كلمة المعلّم تبقى: ثقوا، أنا غلبت العالم.”
وتابع: “ممّا لا شكّ فيه أنّنا نمرّ في واحدة من أسوأ الأزمات التي عرفها وطننا في تاريخه الحديث، وأن قطاع التعليم الخاص، الأساسيّ كما العاليّ، يواجه تحدّيات جمّة وفي بعض الأحيان مصيريّة، تحديّات سوف ننتصر عليها بإيماننا برسالتنا، بتكاتفنا، وبتضحياتنا. سوف ننطلق دوماً نحو الأمام والأعلى، بثقة لا تتزعزع، وبإيمان مريميّ، محافظين على دورنا الرياديّ والأكاديميّ والمجتمعيّ، جاعلين من جودة التعليم هدفاً لا نساوم عليه، عاملين على تطوير مؤسّستنا لنقدّم لطلاّبنا ما يليق بهم.”
وأضاف: “لقد استشرفنا منذ عامين ملامح أزمة مقبلة، فما انتظرنا بل بادرنا منذ العام ٢٠١٧ إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الإحترازيّة التي سمحت لنا أن نواجه بمتانة أكثر أزمات هذا العام المتتالية، فقمنا بترشيد الإنفاق، وتمكين الحوكمة الشفّافة بحسب المعايير العالميّة، وضبط المصاريف، ووقف التوظيف والبناء، وتقليص النشاطات والسفر وحصرها بالضروريّ المطلق، وإعطاء الأولويّة للجودة الأكاديميّة، وللتطوير البحثيّ كما لدعم صندوق المساعدات الماليّة للطلاب الأكثر حاجة والمنح للطلاب المتفوّقين عبر وضع آليات موضوعيّة تضمن العدالة والإنصاف لطلّابنا، وهم يعلمون، وإن كانوا لا يبوحون أحياناً، أن أكثر من ٦٠ بالمئة منهم يحظى بمساعدة ماليّة أو منحة، وما لا يعلمونه أن مساعداتنا الماليّة لهذا العام قد بلغت العشرة ملايين دولار أميركي. ”
وقال نجم: بدأنا نحصد ثمار جهودنا جميعاً، إداريّين ومعلّمين، حين استهلّينا العام الدراسي ٢٠١٩- ٢٠٢٠ بإزدياد ملحوظ في أعداد الطلاب المنتسبين الجدد، يتخطّى السنوات السبع الأخيرة، وأثبتت إنجازات جامعتنا المتعدّدة أهمية دورنا الرياديّ أكاديميّاً ومجتمعيّاً، ولكنَّ الأزمة الإقتصاديّة كانت لنا بالمرصاد، مع كلّ ما جلبته من صعوبات وتحدّيات لنا ولطلاّبنا ولأهلهم.
وأردف: “وفي الخريف الماضي، مع انتفاضة ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، وقفت الجامعة كعادتها إلى جانب طلابها، فحاولنا التوفيق بين صون حقّ من يريد التظاهر، ومن يرغب في معاودة الدروس، فقدّمت جامعة سيّدة اللويزة آنذاك الدعم الأكاديميّ والمعنويّ والماليّ، من خلال تعديلات في المناهج، وخلق خليّة أزمة رافقت من تعثّر ماديّاً بسبب فقدانه أو أهله لعملهم، وتمّ التواصل مع الطلاّب المحتاجين بشكل فرديّ لإيجاد حلول تناسبهم، وتساعدهم للإستمرار في دراستهم، فازدادت قيمة المساعدات الماليّة، وخفّضت الدفعة الأولى لفصل الربيع إلى النصف، ومدّدت الدفعات إلى ست دفعات بدلاً من أربعة، لنكون إلى جانب طلاّبنا وأهلهم بقدر ما أمكن.”
وأشار الى أن بالرغم من كلّ التحدّيات إنطلقنا في اختبار التعليم عن بعد لئلا يخسر طلاّبنا فصلهم، فتحدّينا الصعاب، واستطعنا في فترة وجيزة بعد إعلان حالة التعبئة العامة، إطلاق البرنامج الأكاديميّ عن بُعد، وهنا لا بدّ من تحيّة الجسم التعليميّ الّذي أبدى كلّ مرونة واستعداد، بالرغم ممّا يتطلّبه هذا النمط التعليميّ من جهود مضاعفة، فأمّنوا نجاح العمليّة وأنقذوا الفصل الدراسيّ لطلاّبنا دون المساومة على جودة محتوى التعلّم، فتحمّلوا مسؤوليّتهم الأكاديميّة والمجتمعيّة ونجحوا، مضيفا “ولأن جامعتنا هي جزء من هذا الوطن المثقل بالمشاكل، ولأنّ الأزمة الماليّة وتحدّيات المصارف قد أثّرت على كلّ قطاعات المجتمع، لا سيّما التربويّة منها، كان لا بدّ من مجموعة من التدابير إتّخذناها لضمان ديمومة الجامعة واستمراريتها على المدى البعيد، لقد عقدنا جمعيّتين عامّتين في الفصل الأوّل من هذا العام، حين كان اللّقاء لا يزال ممكناً، وعرضنا جميع التحدّيات، لا سيّما صعوبة تحصيل الأقساط بسبب الوضع العام، وتأثير هذا الأمر على ميزانيّة الجامعة. ومع تفاقم الأزمة، وعدم قدرة الطلاّب على دفع مستحقّاتهم بسبب جائحة كورونا، كان لا بدّ من البدء باقتطاع جزء من رواتب الأساتذة والموظفين، عبر معادلة تصاعديّة بحسب الشطور، لكي لا يتأثّر ذوو الدخل المنخفض. أشكركم من القلب على تفهّمكم وتجاوبكم، فالتكاتف والتضامن هما السبيل الوحيد لعبور هذه المرحلة المصيريّة، إذ لا بدّ لنا أن نضحيّ بالقليل، لنستمرّ منطلقين نحو غد نأمله أفضل. ”
وقال نجم: “لقد أقلقتكم مؤخّراً الكثير من الأخبار والأحاديث التي طاولت جامعتنا، حول عدد من الأساتذة لم تجدّد عقودهم: لقد بدأنا منذ العام الماضي، قبل الأزمات كلّها، بتقييم حاجات الجامعة الضروريّة من قوى عاملة، بصورة منطقيّة وعلميّة، آخذين بعين الإعتبار حاجة كلّ كلّية وبرنامج لأساتذة متعاقدين، بناء على نسبة عدد الأساتذة مقابل عدد الطلاّب، كما قيّمنا البرامج التي نقدّمها ومدى جاذبيّتها واستقطابها لمنتسبين جدد، وبناءً على هذا التقييم إرتأينا ضرورة عدم التجديد لعدد من الأساتذة، للإعتبارات التي ذكرناها حصراً، هنا لا بدّ من الإشارة إلى أن الجامعة لم تطرد أساتذة، ولم توقف عقوداً قائمة كما أشاعت عن جهل أو عن سوء نيّة بعض الصفحات والألسن. إن استمراريّة المؤسّسات وثباتها، لا سيّما في أوقات الأزمات العامّة، تتطلّب قرارات صعبة وجريئة، وإن كانت مؤلمة. ”
وتوجه للطلاب بالقول: “كلمة صادقة من القلب أرسلها: أعلم قلقكم وأشعر بتعب أهلكم، وأعي حجم التحدّيات الماليّة والصحيّة والإجتماعيّة. تتساءلون عن غدكم ومستقبلكم، تتمنّون الرحيل أحياناً. أتفهّم مطالبكم، فالإبن يطلب من أمّه أوّلاً، والجامعة صارت أمّكم حين تخلّت الدولة عن واجبها تجاهكم مقابل ضرائب يدفعها أهلكم. تعلمون أنّ جامعة سيّدة اللويزة لم تبخل عليكم يوماً بما تقدر أن تقدّم. ”
ولفت الى أن لقد تعهّدت إدارتنا منذ ثلاث سنوات بأن لا تتخطّى الزيادة على الأقساط ال٢،٥ بالمئة سنويّاً، فلم تتجاوز الزيادة ال ٥٪ في فترة الإدارة الحاليّة (٢٠١٧- ٢٠٢٠)، لأنّنا مقتنعون بأنّنا لن نطلب منكم إلّا ما هو ضروريّ لإستمراريّتكم واستمراريّة المؤسّسة. أكثر من ٦٠٪ من بينكم يستفيدون من مساعدة ماليّة أو منحة دراسيّة، لم تتوقف في فترة الحجر، فاستفاد منها حتى من هم على لائحة ال Work-Study Grant.
وأكد نجم وبالرغم من هذا، لا تزال ٥٦ ٪ من مستحقّات الربيع غير مسدّدة، فقط ٤٤ ٪ من الأقساط قد دفعت عن فصل الربيع (القسط الخامس) ممّا يعرّض المؤسّسة لأخطار وتحدّيات، سّيما وأن لا مداخيل أخرى لنا سوى الأقساط، مضيفا نتوقّع، كما سائر مؤسّسات التعليم العاليّ تراجعاً كبيراً في مداخيل العام المقبل، لا نسميّها خسارة، بل أمانة في أيدي طلابّنا وأهلهم، فنحن وأنتم عائلة تتضامن في مرحلة الصعوبات، لتبقى جامعتنا ثابتة، قويّة، منطلقة نحو التطوّر والإزدهار من أجلكم، ومن أجل من سوف يأتي بعدكم.
ورأى نجم أن أزمة التعليم العالي في لبنان ليست بسبب الجامعات، ولا بسبب الحوكمة فيها أو نمط إدارتها، أزمتنا اليوم هي أزمة الدولة اللبنانيّة، والجامعات ليست بجزيرة منفصلة عن مجتمعها وعن الدورة الإقتصاديّة في البلد، لا بدّ أن تتأثر الجامعة، حين تضطر إلى تقديم ما على الدولة تقديمه لطلابّها من دعم لكيما يتعلّموا.
وقال: “فتّشوا عن مشاكل مؤسّسات التعليم العالي في مكان آخر: في سوء إدارات الدولة المزمنة التي أوصلتنا إلى ما وصل إليه بلدنا، في سياسات خاطئة جعلتنا لا نقدر على التصرف بمدّخرات وضعناها جانباً للأيام الصعبة، وأفقدت عملتنا قيمتها،، في أداء إقتصاديّ وإجتماعيّ نتج عنه مليون عاطل عن العمل، وقد يكون أهلكم من بينهم. ”
وشدد على أن “جامعتنا لا تعاني من أزمة داخليّة، بل تتأثرّ بسبب ارتباطها العضويّ بدورة البلد الإقتصادّية، فتتحمّل عن غير حقّ نتائج نهج مزمن من فساد وهدر وسوء إدارة، وتدابير أفقرت الشعب وجعلته غير قادر على تحمّل كلفة التعليم الخاص، ولم تهيئ القطاع العام بشكل كافٍ ليستوعب أعداد دافعي الضرائب مقابل العلم. صحّحوا بوصلة العتب، وعاينوا سبب الداء، وارفعوا الصوت ضدّ مكامن الخلل الحقيقيّة، لتتحقّق العدالة الإجتماعيّة، ولتحصلوا على حقوقكم دون منّة من أحد. ”
وعن ثورة السبت، علق نجم بالقول: “لقد أقلقنا جميعاً ما حصل في بيروت يوم السبت الماضي، إذ رأينا أمامنا في ساعات قليلة عقوداً من حرب عشناها. لا تجعلوا للإنقسام بينكم مكاناً، ولا تسمحوا للإختلاف بالرأي أو بالمعتقد أن يكون سبب عداء، ولا تصدّقوا من يقول إن لبنان النموذج قد فشل. ثابروا على تنشّق هواء الحرّية وعلى رفع الصوت ضدّ كلّ ظلم، واسعوا إلى تحقيق المجتمع الذي تطمحون اليه، واحترموا دوماً حقّ الآخر في الإختلاف لقد شاءنا الله في هذه الأرض علامة وشهادة، فلا نسمحنّ لرياح اليأس بتدمير حلم الله في وطننا. ”