كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
يستشعر رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الخطر محدقاً من كل جانب. الظروف الذاتية والموضوعية تضع لبنان على فالق الزلازل. كل سيناريوات التفجير باتت في الحسبان، ولا يمكن التكهن أي منها هو الذي سيتقدم على غيره. الضغوط الدولية تزداد حماوة فيما الانهيار الاقتصادي والاجتماعي ينذر بإطاحة الاستقرار عن بكرة أبيه. عادة ما يخشى الزعيم الدرزي المعادلات المتفجرة التي قد يُجرّ إليها عنوة، ولذا يحاول قطع الطريق على أي محاولة قد تستدرج الجبل إلى مشاهد سوداوية، لم تعد مستبعدة. فتح باب الحوار مع خصمه التاريخي رئيس الحزب “الديموقراطي اللبناني” طلال ارسلان على مصراعيه. أبدى استعداده لأي تفاهم من شأنه تجنيب الجبل خضات غير متوقعة وغير مرغوبة.
كذلك كان أول من سارع إلى مفاتحة صديقه القديم رئيس مجلس النواب نبيه بري على أثر فلتان الشارع في العاصمة وارتفاع منسوب التوتر المذهبي، بضرورة ادارة المحركات الحوارية لتطويق مفاعيل هذا الصخب، ليعود ويطرق أبواب بيت الوسط بحثاً عن تقاطعات مشتركة تساعد في لجم الجنون الحاصل على الطرقات… وها هو من جديد في معراب، ممثلاً بالنائبين نعمة طعمة وأكرم شهيب، على خطّ تعزيز العلاقة الثنائية التي حافظت، أكثر من غيرها، على حدّ أدنى من الهدوء والسكينة حتى في عزّ التباعد. بعد أكثر من سبعة أشهر على اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول، عادت الطبقة السياسية إلى الواجهة. حركة مكوكية مستجدة لا تشي إلا بأنّ أركان ما قبل “الثورة” يسعون من جديد إلى الإمساك بزمام المبادرة. يحاولون الاستفادة من جبال العوائق التي تحيط بعمل حكومة قد لا تجد من يتبناها، باستثناء “حزب الله”، ومن تردد هذه الحكومة وعدم قدرتها على الإقدام بشكل حاسم وحازم وجريء في الملفات الإصلاحية. الجميع متهيّب للمرحلة المقبلة، ولكن من باب العمل على حماية الذات وليس استثمار الظروف للقيام بنفضة إصلاحية تضع المالية العامة على سكة القيامة من جديد. ولهذا، سقطت حواجز كثيرة كانت تفصل بين المتخاصمين الذين راحوا يبحثون عما يحميهم من تسونامي قد لا يوفر أحداً.
لقاء بعبدا الحواري لا يراد منه، على سبيل المثال، إلا تماوج الصورة بين حكومة جهدت على تقديم نفسها على أنها من خارج النادي التقليدي، وبين طبقة ترفض حتى الاعتراف بما اقترفت أيديها من فظائع مالية. ولهذا يعمل كل من بري وجنبلاط على اقناع الحريري بالمشاركة في اللقاء رغم الارتكابات اللفظية التي سجلت في المدة الأخيرة على خطّ بعبدا (ومن تمثّل)- بيت الوسط، حيث يبدو أن رئيس “تيار المستقبل” ميال إلى فكرة المشاركة ولو أنّ رؤساء الحكومات السابقين الذين لجأ إلى ملاذهم، يواظبون على إحراجه لدفعه الى مقاطعة الاجتماع الحواري.
وبينما كان رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية ينهي زيارته إلى بيت الوسط، حيث استقبله سيده بالقبلات والأحضان خارقاً قواعد التباعد الاجتماعي، كان الوفد الجنبلاطي يلتقي رئيس حزب “القوات” سمير جعجع، الذي “خشّن” يومه بحديث صحافي يتلو فيه طقوس الندم على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، فيرد عليه النائب طوني فرنجية بتغريدة تأييد وتأكيد: نعم لقد اخطأتم.
وفق الاشتراكيين، فإنّ اللقاء في معراب كان يفترض أن يلي الزيارة التي قام بها جنبلاط إلى قصر بعبدا، وذلك لوضع جعجع في سياق هذه التطورات كونه حريصاً على العلاقة مع “القوات”، ويخشى أن يُفهم الحوار المفتوح مع الرئاسة الأولى على أنه بديل للعلاقة مع معراب، لكن الأحداث والتطورات هي التي أجّلت الموعد، إلى أن حصل قبل يومين. وكانت مناسبة لاستعراض كافة التطورات، بدءاً باللقاء الحواري (الأرجح قد يحضره جعجع) وصولاً إلى الملفات الاقتصادية والمالية، ومروراً بطبيعة الحال بكل المستجدات الطارئة. يحرص جنبلاط على تنقية عملية تواصله وتنسيقه مع “القوات” من أي شائبة خصوصاً وأنّ علاقة قواعد الفريقين تريح رأس القيادتين، حتى لو كان ملف العلاقة مع “حزب الله” موضع خلاف بينهما. فالحزب “التقدمي” يترك للحوار مع الضاحية الجنوبية هامشاً مهماً في حساباته، بينما “القوات” لا تزال على ضفة الخصومة ولو أنّها تخلت أخيراً عن اللهجة الحادة، لكنها بالنتيجة تقع في السياسة في موقع مضاد تماماً.