كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
تتوالى الأزمات تباعاً أمام اللبنانيين موصدة باباً تلو بابٍ! فبعد أزمة المدارس الخاصة، والإقفالات الواعدة الآتية، ووجع الأهالي والطلاب الذين قد لا يجدون ملاذاً بعد اليوم إلا في مدرسة رسمية، اتجهت الأنظار الى هناك، الى التعليم الرسمي، ليتكشّف وجود مشاكل جوهرية في العمود الفقري في بعض الثانويات، في رأس الهرم، في منصب “مدراء الثانويات الرسمية”، مؤكدة فقدان الدولة أي “بعد نظر”!
بينما تنشغل وزارة التربية والتعليم العالي في ترفيع الطلاب “قشة لفة”، وبينما ينشغل الأهالي في التمعّن بالخيارات المتاحة لمرحلة آتية تلوح وخيمة، وبينما تنشغل المدارس الخاصة وتنكب على إيجاد حلول تضخّ في شرايينها بعض الأوكسيجين المفقود، ينشغل فكر مدراء مدارس وثانويات رسمية على مصائرهم، ففي لقاءات لهم تطرح مشكلة لم تكن لا على البال ولا على الخاطر، والبال المشغول المضطرب يؤثر طبعاً في البنيان العام، في بنيان وهيكلية القطاع التربوي الرسمي في لبنان. فماذا في التفاصيل؟
حين ينطلقون في الحديث عن القطاع التربوي الرسمي في لبنان يتذكرون “مغارة علي بابا” ويُسهبون في التذكير بأبعاد التخطيط والتعيين والتزكية والترفيع في هذا القطاع المشحون، كما قطاعات رسمية كثيرة، بتجاذبات وحصص ومنافع و”هيدا إلي وهيدا إلك”. وفي جديد المشاكل التي تراكمت على مرّ السنين وتكاد تنفجر اليوم قضية عشرات مدراء مدارس الثانويات الرسمية الذين يعملون منذ أعوام بالتكليف في انتظار إجراء مقابلة معهم وتعيينهم بهدف إراحتهم وطمأنتهم الى مصائرهم المعلقة وينصرفون بالتالي الى العمل التربوي الصرف بلا ضرورات الإستزلام الى هذا أو ذاك في سبيل إجراء المقابلة الموجبة، التي يتحدد بمقتضاها توافر الشروط في هؤلاء أو لا، وكلنا نعلم ما قد تتضمن هذه المرحلة، بالمنهجية المعتمدة في لبنان، من تدخلات وحسابات وواسطات. ومن ميل آخر، هناك أكثر من 120 مديراً لثانويات تنتشر في لبنان، من أقصاه الى أقصاه، لم ينجزوا الدورة الضرورية التي تُحدد كفاءاتهم وتمنحهم 15 في المئة زيادة على رواتبهم.
توجد في لبنان 274 ثانوية رسمية، ما يعني أن هناك نحو نصف مدراء الثانويات في لبنان ينتظرون إما التعيين أو إجراء الدورة، علماً أن بعض المدراء بالتكليف مضى عليهم أكثر من عشرة أعوام. وعشر سنوات في عمر الزمن ليست أبداً قليلة. فلماذا هذا الإهمال؟ فلنذهب الى عكار، الى أبعد نقطة فيها، الى وادي خالد، وتحديداً الى مدرسة الرامة في وادي خالد، حيث يكثر الكلام هناك، على سبيل المثال طبعاً لا الحصر، عن مدير هذه المدرسة محمد كنج الذي استلم منصبه في 20 شباط عام 2010 بالتكليف، إستناداً الى موافقة وزير التربية آنذاك وكان حسان دياب. وهو عاد وتقدم، بسبب شغور الإدارة في الـ 2013 إلى المعنيين بطلب أن يكون مديراً أصيلاً غير أنه لم يتلقّ أي ردّ حتى العام 2018 وها هو في مكانه، جامداً مجمداً، في 2020. مرّ الوقت، قدم فيه مدير المدرسة رؤيته الى وزارة التربية وطلب مراراً إجراء مقابلة معه، التي بموجبها يفترض أن يُصار الى اختيار المدير الأنسب، لكن محمد كنج، ناظر المدرسة القديم، يستمر مديراً بالإنابة بعد مرور عشرة أعوام. ومثله أمثلة. إذا سألنا لماذا هذا الجمود قد يخرج من يقول لنا: هل تعيشون خارج هذا الكوكب المسمى لبنان؟ فعمر ملف الكهرباء عقود وعمر المخالفات البحرية عقود وعمر التجاوزات عقود. لكن، من حقّ هؤلاء المدراء في المدارس الرسمية أن يتساءلوا عن حقوقهم في ظلّ كل الكلام عن دور هذه المدارس والثانويات في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن المدراء أنفسهم يتحدثون عن كيفية جعل “شغلة البال” الإنسان ينحرف عن واجباته. ومدراء مدارس وثانويات رسمية كثيرة في لبنان بالهم مشغول.
نبقى في وادي خالد الذي يحلو لمدراء الثانويات الرسمية عموماً إعطاء مدرستها الرامة الرسمية مثالاً. وفي التفاصيل، انه حين يتقاعد مدير ما او تفتح مدرسة او ثانوية جديدة، يعلن عن شغور في منصب الإدارة ويتقدم من تتوافر فيه الشروط وتتم مقابلات شفوية من قِبل لجنة في وزارة التربية أبرز من تضم: المدير العام ومدير التعليم الثانوي او الإبتدائي ورئيس مركز البحوث وممثلاً عن الوزير… وتضع هذه اللجنة علامات على المشروع والمقابلة الشفوية وتختار أول ثلاثة فائزين وترفع اللجنة الأسماء الى الوزير الذي يحق له اختيار واحد من الفائزين الثلاثة الأوائل. وبعد ان يُصار الى اختيار المدير او المديرة ومباشرة العمل يتمّ إحتساب 10 في المئة زيادة على راتب المدير. وبعد ان يُنهي المدير أو المديرة دورة تدريبية ينال 15 في المئة إضافة على الراتب. وهذه الدورة لم تجرِ منذ أكثر من ستة أعوام. فماذا يحصل مع مدير الرامة في وادي خالد ويتلاقى في بعضه مع ما يحصل مع أكثر من مئة وعشرين مديراً في لبنان يجهلون في أي اتجاه تنحو مصائرهم؟
فاقد الشيء لا يعطيه، والمدراء، فاقدو الأمان، لن يتمكنوا من منحه الى طلاب لبنان الذين يتجهون مجبرين الى القطاع التربوي الرسمي. هذا أولاً. من ميل آخر، من يضمن أن لا يقرر وزير التربية بعد إجراء المقابلة مع مدير بالإنابة فاز مع مرشحين إثنين إختيار أحد التابعين له ويكون من أعطى الثانوية أكثر من عشرة أعوام من تعبه ورؤيته ومناقبيته، من دون أن يتقاضى ما يحق له من منحٍ وزيادة على راتبه، قد نال صفعة قوية من صفعات الإهمال. ماذا يضمن مثلاً أن لا يتم اختيار مدير مدرسة الرامة بالإنابة محمد كنج بعد عشرة أعوام على عطائه، ومن يضمن نيله حقوقه المهدورة، خصوصاً أن المرشحين المنافسين له أحدهما مدعوم من التيار الوطني الحرّ والثاني محسوب على العشائر ومن وراءها. وكلنا نعلم أن الحسابات هي أساس الملك. ليس محمد كنج قضيتنا بل هو مثال في القضية الكبرى التي تلحّ في هذه الأيام كثيراً بين مدراء مدارس وثانويات يجهلون، كما الطلاب، مصائرهم.
أمرٌ آخر يلفت إليه هؤلاء المدراء وهو أنه حتى ولو كُلف أحدهم ليصبح مديراً فإن هذا التكليف يبقى موقتاً لا نهائياً الى حين إجراء الدورة الموجبة في النظام التربوي الرسمي. وهناك مديرة إحدى الثانويات ستتقاعد بعد أشهر قليلة من دون أن تكون قد أتمّت هذه الدورة.
إستقرار المدرسة الرسمية مطلوب اليوم وبإلحاح. وقد تمّت مراجعة وزير التربية الحالي الدكتور طارق المجذوب لكن إجابته أتت صاعقة “هل تتخيلونني من ديناصورات السلطة؟”، في إشارة الى أن الذنب ليس ذنبه. قد لا يكون بالفعل ذنبه لكنه قبل أن يأتي في عداد حكومة أخبرتنا أنها قادرة على الإنجاز. فهل يجوز أن تُخبرنا عند كل مفصل أن القضايا السابقة المعلقة ليست من مسؤولياتها؟
ويُعلق مدير ثانوية بالقول: يتذرّع الوزير ومستشاره (وهو أستاذ إبتدائي متقاعد) بأن معاليه كان يريد أن يأتي بسبعة عشر مستشاراً ليتمكن من الإنجاز غير أن طلبه رُفض. فلا تلوموا الوزير!
بلى نلوم الوزير لأنه جاء على متن وعدٍ كبير ولأن المدارس الرسمية يفترض أن تكون جاهزة قبيل أيلول وما زال عدد كبير ممن يمسكون سدتها “لا معلقين ولا مطلقين”. الموضوع يتطلب الإصرار في الإنجاز، مع السرعة وعدم المماطلة، مع كثير من التدقيق والعناية في سبيل أن ينال كل صاحب حق حقه، على أن يكون الطلاب الآتون من مشارب كل الطبقات، الى التعليم الرسمي، في أمان.