كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
إحتلت زيارة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى السفير السعودي وليد البخاري في مقر اقامته في اليرزة صدارة المتابعات أمس. الخطوة جاءت لافتة في التوقيت والشكل. فأن تزور شخصية لبنانية مسؤولة بحجم حاكم المصرف المركزي سفير دولة عربية بحجم المملكة السعودية فلا بد أن فحوى الاجتماع ينطوي على أهمية متصلة بوضع لبنان المالي والاقتصادي. لا يبالغ اللبنانيون حين يعلقون على مثل هذه الزيارة آمالهم والتكهنات. كانت الصورة كفيلة بإبلاغ المهتمين ان رياض سلامة قصد منزل سفير المملكة السعودية لبحث أمور تتعلق بشؤون بالغة الأهمية بين البلدين. وبناء على دور المملكة العربية السعودية ومنزلتها السياسية والمالية في الواقع اللبناني، يمكن قراءة الزيارة من باب التفاتة سعودية للبنان الذي يعيش أصعب أزماته. ولا شك ان المملكة أبلغت الحاكم ما من شأنه ان يسهّل أمور لبنان المالية ولا يصعّبها او يشد الخناق أكثر.
في التحليل السياسي على النمط اللبناني فان لكل شاردة وواردة هدفاً وغرضاً إن بالشكل أو بالمضمون. بالشكل نادراً ما يقصد رياض سلامة السفراء في مقراتهم او منازلهم. جرت العادة ان الحاكم يُزار ولا يزور ويستقبل ضيوفه في مكتبه، وهذا ما حصل أخيراً خلال استقباله السفيرة الاميركية دورثي شيا التي أمضت في حضرته ما يزيد على ساعة ونصف الساعة لشدة ما ارتاحت لاجواء اللقاء. لا تمانع السفيرة في تخطي الوقت المسموح بروتوكولياً للتعارف، وتتجاوزه حيث يحلو لها المقام. وبالشكل ايضاً تعني زيارة الحاكم المركزي لسفير دولة عربية في منزله تكريماً له ولموقعه ولذا يمكن الاستنتاج ان المملكة السعودية أرادت إيصال رسالة دعم لسلامة الذي تعرض لهجوم وتشكيك من الحكومة، ولنائب حاكم مصرف لبنان السابق محمد بعاصيري الذي استبعد عن التجديد لمهامه في التعيينات المالية.
أما لناحية المضمون فيسجل للسفير البخاري أن يضيف الى اول لقاءاته طوال فترة الأزمة المالية والاقتصادية، مثل هذا اللقاء بعد ان كان نشاطه وفريق عمل السفارة بحكم المجمد لوجود قرار سعودي ضمني بعدم التدخل في شؤون لبنان، اعتراضاً على التسوية السياسية الماضية. ولولا ان الزيارة أتت على شكل رسالة لأمكن ابقاؤها بعيدة من الاعلام. وحسب المعلومات فقد تولى نائب حاكم مصرف لبنان السابق محمد بعاصيري التحضير لها بزيارة تمهيدية، وهي أعقبت ايضاً زيارة كان اجراها لبخاري المدير العام لوزارة المال ألان بيفاني. فهل يمكن القول ان المملكة دخلت على خط معالجة موضوع حاكمية مصرف لبنان، ام هي في صدد معالجة مسائل مالية عالقة بين البلدين استدعت استنفاراً على أعلى المستويات المالية والسياسية؟
والى بعاصيري تولت ترتيب اجواء الزيارة شخصية سياسية لبنانية كبيرة في محاولة لإعادة ضخ الحرارة للعلاقات اللبنانية – السعودية ومعالجة الملفات التي تؤثر سلباً على سير هذه العلاقة وإعادة بث الحرارة الى خطوط التواصل والتنسيق المشترك. ولو ان الآمال المعقودة ليست كبيرة بالنظر لعدم وجود مؤشرات تؤكد تغيير المزاج السعودي تجاه لبنان وحكومته، والا كنا رأينا خطوة مغايرة من قبل البخاري باتجاه الحكومة. ولكن طالما ان اللقاء خرج الى الاعلام فثمة غاية مؤكدة من ورائه، وفيما لم ترشح تفاصيل محددة، ورد في الخبر الرسمي أن اللقاء تخللته جولة أفق حول المستجدات والتطورات والقضايا ذات الاهتمام المشترك. ولكن الخوف، بحسب المقربين من حكومة حسان دياب، أن يندرج مضمون اللقاء في إطار تحميله رسائل سعودية سلبية تجاه الحكومة، خصوصاً وأنّ لبنان في الفترة الأخيرة لم يكن من ضمن أولويات المملكة.
قد لا يُبنى على الزيارة الكثير، ولكنها حتماً أتت لافتة ومن خارج السياق السياسي والتطور الدراماتيكي للوضع المالي ولا يمكن بالتالي إلا التنقيب في أبعادها… بمعزل عما إذا كانت ستتضح قريباً أو أنها ستبقى أبعاداً غير مرئية.