كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”:
تترقب الأوساط السياسية ما يمكن أن يحدثه «اللقاء الوطني» بعد غد الخميس، الذي دعا إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، قياساً على حجم المشاركة فيه. وقبل أيّ تقييم طرح السؤال: هل سيعقد اللقاء بنصاب المدعوين كاملاً أم بمَن حضر؟ أم انه سيكون على الداعي إليه صرف النظر عنه او تأجيله؟ وهل من مبادرة ما تغيّر في ما هو منتظر؟
بمعزل عن سلسلة المواقف المنتظرة من معظم الأطراف السياسية والحزبية والنيابية التي ما زالت تبحث في تلبية دعوة رئيس الجمهورية الى اللقاء بعد غد الخميس من عدمها، وما يمكن أن تحمله من تأكيد المؤكد في ظل غياب التوقعات بتوافر النصاب الكامل للمدعوين. فما هو ثابت انه ليس هناك من مفاجآت. وعلى رغم من ذلك ستبقى الانظار موجّهة في الساعات المقبلة الى قصر بعبدا للتثبّت من إمكانية المضي في الترتيبات الخاصة بعقد اللقاء او تأجيله او إلغائه، فكل الخيارات مطروحة في الكواليس الرسمية.
وقبل الغوص في المواقف من اللقاء وخلفياتها ونسبة النجاح المتوقعة منه او الفشل، لا بد من الإشارة الى بعض الملاحظات السلبية التي انعكست على مصير الدعوة الرئاسية، فقد ترافقت مع كثير من اللغط الذي تسبّبت به التسريبات من غير مصدرها الأساسي عن اللقاء وشَكله ومضمونه والغايات منه. فقبل 9 أيام على الموعد المحدد، تَسرّب الحديث عن دعوة عون الى مثل هذا اللقاء وتحديد موعده بعد غد الخميس بعد مشاورات شملت كلّاً من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة حسان دياب. وتزامَن الحديث يومها مع سَعي بري بما أوتي من علاقات شخصية وحزبية ومونة نيابية لإقناع وضمان حضور جميع المدعوين، وخصوصاً ممّن يتوقع مقاطعتهم لمثل هذه الدعوة كرئيس الحكومة السابق سعد الحريري ومعه رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، فاستقبلهم على التوالي وعلى مدى يومين.
وكان كل ما رافق لقاءات عين التينة مناسبة للحديث عن دور سيّدها في ترتيب اللقاء بدلاً من رئيس الجمهورية وقدرته على توفير النصاب للقاء بعبدا، بل تَسرّب عن قصد او غير قصد انّ بري، وإلى تولّيه مهمة توحيد أرقام الخسائر المالية في مصرف لبنان والمصارف اللبنانية في رعاية مجلس النواب، هو من سيوفّر النصاب في اللقاء وانه «القادر الوحيد» على إقناع المقاطعين بالمشاركة فيه بسبب عجز رئاسة الجمهورية عن توفيره. وقيل يومها – قبل تدارك الخطوة وتصحيحها – انّ بري هو من سيوجّه الدعوات الى رؤساء الكتل النيابية للمشاركة في اللقاء، وانّ رئاسة الجمهورية هي التي ستوجهها الى رؤساء الجمهورية والحكومات السابقين.
وما زاد في الطين بلة، انّ كل هذه الروايات والسيناريوهات المتعددة الوجوه والتفسيرات تزامنت وإطلالة الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطاب ناري تحدث فيه عن الوضع الداخلي بطريقة أوحَت بخريطة طريق للحكم والحكومة في كل الاستحقاقات السياسية والنقدية المطروحة وتلك المقبلة على لبنان والمنطقة. كما توغّل نصرالله في خطابه العالي النبرة متّهماً الولايات المتحدة الأميركية وشركاء لها في لبنان بمحاصرة لبنان اقتصادياً ومالياً ومنع إدخال الدولارات الى لبنان، وهو ما تسبّب بالأزمة النقدية والاقتصادية الصعبة، وطلب التوجّه شرقاً في اتجاه إيران والصين وسوريا والعراق في مواجهة «قانون قيصر» وتداعياته على لبنان والمنطقة عشيّة البدء بتطبيقه.
ولمّا لم يكن لبنان قد خرج من تداعيات خطاب نصرالله، جاءت جلسة مجلس الوزراء عصر الخميس الماضي لتوحي انّ الحكومة انساقت خلف اقتراحاته في التوجّه شرقاً لتخلق جواً ملبّداً ليس على المستوى السياسي والوطني العام فحسب، بل في مجلس الوزراء بعدما عبّر عدد من الوزراء عن رفضهم لاقتراحات نصرالله واستحالة اللجوء اليها وسط «صمت بليغ» لرئيس الحكومة إزاء ما هو مطروح، وتفرّد وزراء بالرفض لاستحالة القيام بما هو مطروح على قاعدة انّ دولة مفلسة لا يمكنها التعاون مع مجموعة دول محاصرة ومتعثرة في عز الحوار مع صندوق النقد.
وتداركاً لمخاطر التوتر الذي تجدّد مع بروز الجدل حول ما جرى في جلسة مجلس الوزراء والتخفيف من الشعور بهَيمنة «حزب الله» على التحضيرات للقاء الخميس، سارعَت رئاسة الجمهورية الى سحب الملف الاقتصادي من جدول أعماله وتحديد جدول جديد. فالملف الاقتصادي وما يتّصل بتوحيد أرقام الخسائر بات موضوع خلاف كبير بين اهل الحكم والحكومة ومن دون «البيت البرتقالي» أيضاً من دون ان يكون للمعارضة رأي فيه. فقالت دوائر القصر الجمهوري في مطالعة إعلامية مفصّلة انّ الهدف من اللقاء ليس الوضع النقدي والأزمة الاقتصادية المستفحلة، بل هو لقاء وطني جامع ليؤكد المدعوون اليه ضرورة «التصدي للفتنة المذهبية وتعزيز السلم الأهلي والتأكيد على الثوابت الوطنية»، ويمكن أن يتطرّق الى الخطة المالية الإصلاحية ان قادت المناقشات إليه ورغب المدعوون في ذلك.
وما هي إلّا ساعات قليلة حتى أصيبت المحاولة الرئاسية بضربة قاسية برفع الشعار الوطني الجامع للقاء، فجاءت إطلالة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل السبت الماضي لتُعيد إحياء الأجواء السلبية إزاء الدعوة ولتزيد من نسبة القلق على مصير اللقاء وإمكان تلبية دعوة رئيس الجمهورية بعدما فتحَ صهره النار في اتجاه المدعوين اليه فرادى وجماعة موزّعاً الإتهامات يمنة ويسرة من دون أن يسلم الحلفاء منه.
وعليه، فقد توسّعت دائرة البحث عن المقاطعين للقاء الخميس قياساً على حجم المشاركين في لقاء 6 ايار، بعدما تبيّن انّ بعضاً ممّن شاركوا فيه باتوا مترددين في المشاركة في اللقاء المقبل كفرنجية ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع. واذا أضيف هؤلاء الى توقّع غياب رؤساء الحكومات السابقين، يكون اللقاء قد فرغ من مضمونه على مستوى الميثاقية السنية.
وفي ظل العتمة التي خيمت على الاجواء المحيطة باللقاء، برزت الأحد مبادرة أطلقها البطريرك الماورني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد الرابع من «زمن العنصرة»، دعا فيها الى اعتبار دعوة رئيس الجمهورية الى «المراجع السياسية المسؤولة»، في الظرف الخطير الذي يمرّ به لبنان، «واجباً وطنياً يُمليه عليه ضميره كرئيس للبلاد، وقَسم اليمين على حفظ الدستور وحماية وحدة الشعب والصالح العام». وانّ «الدعوة مشرّفة لمَن توجّه إليه». لكنه لفت الى إمكان «أن تعقَد في الموعد المحدد أو أن تُرجأ لفترة إعدادية ضرورية»، داعياً الى «إصدار وثيقة وطنية تكون في مستوى الأحداث الخطيرة الراهنة». ولكن دوائر قصر بعبدا نَفت علمها بوجود مثل هذه المبادرة او ان لها ايّ علاقة بها، وإن صدرت عن غبطته فهي ملك له. وهو ما أنهى المبادرة البطريركية قبل ان يجف حبرها.
وبالاستناد الى ما سبق من أسباب، فقد اعتبرت مراجع تسعى الى عقد اللقاء انّ الساعات المقبلة حاسمة لجهة تأجيل اللقاء او صرف النظر عنه ما لم تحصل أي مفاجأة مُستبعدة في الوقت الراهن، وإن كان هناك من يُمنّن النفس بها.