كتبت جنى جبّور في صحيفة “نداء الوطن”:
قبل أشهر كان اللبناني يهرول للحصول على قرض مصرفي بهدف اقتناء سيارته الخاصة، أما اليوم فأصبح بحاجة لقرض خاص لتصليح أي عطل يطرأ على مركبته. فلا عجب أن نرى من يركن سيارته ليتنقل بواسطة الباصات، لعدم قدرته على تحمل تكاليف صيانتها أو تغيير مكابحها أو حتّى تبديل إطاراتها.
تدخل الى المدينة الصناعية في البوشرية، فلا تسمع الّا صراخاً يعلو ويعلو بشكل مخيف بين الزبائن و”الميكانيكي”. في كل كاراج، شجار من نوع آخر، البعض يتذمر من سعر صرف الدولار، والبعض الآخر يشكو ارتفاع تكاليف الصيانة والتصليح، ومن طريقة الدفع. ولعل عبارة “مش عاجبك فل”، هي الاكثر تداولاً في هذه المدينة.
نسأل جورج، وهو ميكانيكي منذ اكثر من 20 سنة، المنشغل بتبديل “نربيش” مستعمل بكلفة 200 الف ليرة لأحد زبائنه، عن الوضع، فيجيب بعصبية واضحة: “تراجع عملنا بنسبة 90 في المئة. ففي السابق، كنّا نصلّح اكثر من 12 سيارة في اليوم الواحد، أمّا اليوم فنحمد الله اذا قمنا بمعاينة سيارة واحدة. بشكل أوضح، لا يزورنا سوى الزبون الذي ستتعطل سيارته في الشارع، ولا يطلب منّا سوى “كولييه” مستعمل، أو تبديل “بوجي” واحد، أو يتوسلنا بتمزيق “النربيش”، وطلبات غريبة من هذا النوع، الامور الاساسية فقط لتسير مركبتهم مجدداً بأقل كلفة ممكنة”.
نسأله: “ألن تتعطل السيارة مجدداً إثر هذه التصليحات العشوائية واستعمال القطع المستعملة”؟ يجيبنا بتهكم: “فلتتعطل في الطريق، ما ذنبي أنا؟ لم أعد أهتم، فأنا لا احصّل سوى 2 في المئة من أرباح عملي، وبصراحة لن أتأسف على شيء، سوى على خبرتي ومصلحتي التي سأتوقف عن ممارستها قريباً إذا استمر الوضع على حاله”، مضيفاً: “في السابق، كان الزبون يقصدنا بمجرد سماع أي صوت غريب في سيارته، وكان يصرف اكثر من 1000$ ثمن التصليحات اللازمة، أمّا اليوم فقد تبدل المشهد بشكل مبكٍ”.
إرتفاع أسعار “القطع” 900 بالمئة
الأسعار نار، و”على اللبناني” ارتفعت بنسبة 900 في المئة، بحسب جورج، الذي يقول إنّ “القطعة التي كانت تكلفنا 13$، ندفع ثمنها اليوم 80 ألف ليرة، وليس هذا فحسب، فحتّى انّ الغلاء شمل كلفتها بالدولار، فبدلاً من الحصول عليها بـ13$ أصبحت تكلفنا 16$ على سعر صرف الدولار في السوق السوداء. أمّا غيار الزيت مثلاً فارتفعت كلفته من 105 آلاف ليرة لسيارة “مرسيدس” الى 200 الف ليرة، و”كولييه” سيارة الـ”BMW” من 165 ألف ليرة الى 700 ألف. وهذا ما يسبب لنا الكثير من المشاكل مع الزبائن، لذلك اعتمدت طريقة عمل جديدة، ترتكز أولاً على الاتصال بتاجر القطع على مسمع من الزبون لمعرفة سعر كل قطعة، وبعد موافقته على السعر، أرفض مغادرته الكاراج قبل تسديد المبلغ المتوجب عليه نقداً، ومن ثمّ استلام سيارته مباشرةً”. أجرة يد جورج ما زالت نفسها، هو يدفع ايجار كاراجه 13 ألف دولار سنوياً، وبالتالي من المستحيل ان يستمر في عمله… حاله كما غيره من زملائه، لا حلّ امامهم سوى إغلاق “كاراجاتهم”، والبقاء من دون عمل. وبحسب تعبير جورج “بالعربي المشبرح، نحن تدمرنا، وسنغلق مصالحنا، فما فائدة عملنا 16 ساعة في اليوم الواحد مقابل 20$؟”.
إرتفاع أجرة اليد العاملة
من البوشرية الى ضبية، حيث المعاناة هي نفسها. فمصلّحو السيارات واقعون بين شاقوفين، التاجر والمواطن، يشترون البضاعة بالدولار ممّا يجعلهم مضطرّين لزيادة التكلفة على المواطن. ومن جهة أخرى، أكدّ صاحب أحد الكاراجات في المنطقة أنه “أُجبر على رفع كلفة خدماته ولو بنسبة بسيطة، فحدد أسعار أجرة يده على الشكل التالي: “ميزان ديركسيون: 20 ألف ليرة، غيار امورتيسور واحد: 30 ألفاً، غيار بيضة واحدة: 20 ألفاً، فك وتركيب كراسي موتور: 80 ألفاً، تعبئة غاز مكيف: 100 ألف، تركيب 4 دواليب: 20 ألفاً، ورصاص 4 جنوطة تلزيق: 30 ألفاً”. كذلك، يوفر الكاراج عرضاً مغرياً للزبون مع أول خدمة له الا وهو “غسيل مجاني لسيارته”.
وإذا كان الوضع صعباً على الكاراجات الفردية، فكاراجات الشركات، ليست على أفضل حال، ولا يخفي وكيل بيع سيارات جديدة في كسروان وصاحب كاراج كبير، أنّ الصعوبات كثيرة، فالعمل “خفيف” جدّاً، والدولار “خربنا خراب”، وسعر صرفه يتبدل في الساعة اكثر من مرّة، ونحن ايضاً ندفع نقداً ثمن بضاعتنا، وبالتالي لا يمكننا تحصيل تكاليف صيانة السيارات سوى بالدولار او ما يعادله من سعر الصرف في السوق السوداء، لذلك نعتذر من زبائننا عن عدم قبول الدفع بالبطاقات المصرفية، والشيكات ايضاً”، مضيفاً: “تخلينا عن حقوقنا من الاجور وقبلنا بتراجع قدراتنا الشرائية كي نستمر”.
“حدادة وبويا”… للضرورة القصوى
ننتقل الى كاراج “حدادة وبويا” في عمشيت، حيث تضاعفت أسعار البويا والمواد البترولية (التنر) والمعجونة والمواد القطنية والبوليش وبويا الأساس، اللازمة لاصلاح وتعبئة الفراغات والشقوق في هيكل السيارة، أكثر من 5 أضعاف من سعرها قبيل الأزمة في لبنان، فالمركبة التي كان دهانها يكلف 300 ألف ليرة، ارتفعت اليوم كلفتها لتصبح مليوناً و400 ألف، بحسب حجمها وحجم الأضرار الموجودة فيها. يقول بول صاحب كاراج “اللحام” في المنطقة المذكورة إنّ “العمل شبه متوقف، الّا للضرورات القصوى”، تشعر عندما يعبر عن حال عمله، وكأن محله بمثابة طوارئ مستشفى، لا تقصد كاراجه سوى الحالات الطارئة والضرورية جدّاً. نسأله عن ارتفاع الأسعار، فيأخذ نفساً عميقاً، ويعددها “علبة معجونة الحديد من 6000 ليرة لبنانية الى 25 ألفاً، كيلو البويا قفز من 45 ألف ليرة لبنانية الى 160 ألفاً، ليتر “التينر” من 3 آلاف ليرة الى 11 ألف ليرة لبنانية، “ورق الحف” من 500 ليرة لبنانية الى 2000 ليرة، الورق اللاصق من 500 ليرة الى 1750، كيلو الجرائد من 3000 الى 10 آلاف ليرة، “قنينة” الهواء من 15 ألفاً الى 40 ألفاً، شريط اللحام من 3 آلاف ليرة للكيلوغرام الواحد الى 10 آلاف و”إلكترود” اللحام من 6000 الى 20 ألف ليرة لبنانية”… وهلم جرّاً.
الدولار عند “معلم” بول لا يزال على سعره الرسمي “شكلياً” أي 1500 ليرة لبنانية، هكذا يُسعر لزبائنه، ولكن السيارة التي كانت تكلف صاحبها 100$ سابقاً اصبحت تكلفه 500$، على السعر الرسمي ويمكن أن ترتفع الكلفة او تنخفض بحسب سعر صرف الدولار اليومي في السوق السوداء. بول لا يقبل الدفع الا نقداً ليتمكن من الاستمرار، فالبطاقات المصرفية او الشيكات، لا يمكن صرفها لا في المصارف ولا في الشركات التي تؤمن له البضاعة، ولا يمكن ان يدفع من خلالها كلفة العاملين في كاراجه”.
الاطارات… المستعمل قبل الصيني
وإذا كانت تكاليف صيانة السيارات تضاعفت بشكل هستيري، فالعمل معدوم بالنسبة لمحلات بيع الاطارات، التي تتنوع أسعارها وفق تنوع الماركات التجارية وبلدان المنشأ. فلا طلب على الاطارات الالمانية العالية الجودة، “فمن سيدفع مليون ليرة لبنانية، ثمن الاطار الواحد؟”، بحسب قول صاحب أحد محال بيع الاطارات في جونيه. وبالنسبة للإطارات اليابانية والكورية التي تعتبر متوسطة الجودة فتراجع الطلب عليها أيضاً. ولعلّ وضعنا الحالي يفسر ارتفاع الطلب على الاطارات الرخيصة كالصينية مثلاً التي ارتفع سعرها من 75 ألف ليرة للاطار الواحد الى 250 ألفاً. أمّا “حصة الأسد” فهي من نصيب الاطارات المستعملة التي يتراوح سعرها بين 130 و 150 ألف ليرة لبنانية “بحسب نظافة الدولاب”، بعدما كان سعر الدولاب في السابق لا يتعدّى الـ50 ألف ليرة لبنانية”. فيا أيها اللبنانيون، اذا كنتم تفكرون ببيع سياراتكم، فالافضل ان تبيعوها “قِطعاً”، وبذلك تضاعفون أرباحكم أضعافاً وأضعافاً.