جاء استقبال السفير السعودي وليد بخاري حاكم مصرف المركزي رياض سلامة ونائبه السابق محمد بعاصيري، منذ يومين، لافتا للانتباه من حيث الشكل والمضمون والتوقيت. البعض وضعه في خانة مبادرة سعودية “مالية” تجاه بيروت تُطبخ على نار هادئة جدا، غير ان مصادر سياسية مراقبة تضع، عبر “المركزية”، اللقاء في خانة أخرى “سياسية” صرف، خاصة ان الاجتماع المذكور أعقبه آخر ضمّ امس في مكان اقامته في اليرزة، بخاري الى السفير الفرنسي برونو فوشيه حيث عرضا لمجمل المستجدات على الساحتين اللبنانية والإقليمية والقضايا ذات الاهتمام المشترك، في حين سبقته سلسلة لقاءات اخرى “اقتصادية” الطابَع عقدها بخاري.
النشاط الديبلوماسي السعودي هذا يحمل رسائل واضحة للبنانيين عموما وللسلطة خصوصا، فحواها ان الرياض مهتمة بلبنان وبمتابعة اوضاعه من كثب، وهي لم تغفل عنه وعن همومه يوما، غير انها ومع وقوع الحكم فيه في يد حزب الله، غير قادرة على ترجمة اهتمامها هذا، بالافعال الحسية والعملية.
ولعلّ في إحجام بخاري او اي دبلوماسي عربي – خليجي عن زيارة السراي منذ دخول الرئيس حسان دياب اليه، في مقابل استقباله سلامة… لعلّ في هذا الموقف، تجسيدٌ حسيّ للموقف السعودي. فالرياض تبدو تقول لبيروت انها تعترف بسلامة وما ومن يمثّل، سيما كمؤسسة غير واقعة تحت سيطرة الحزب، وإنها جاهزة للتنسيق والتعاون معه، الامر الذي لن تفعله مع الدولة وأجهزتها الاخرى طالما هي تحت “سطوة” الحزب.
وهنا، لا يمكن المرور عرضا على مرافقة بعاصيري لسلامة، فحضوره ليس ابدا بتفصيل، تتابع المصادر. فالرجل تم استبعاده من التعيينات المالية الاخيرة التي أنجزها مجلس الوزراء منذ ايام قليلة، وقد عمدت الحكومة خلالها الى تعيين شخصيات تدور كلّها في فلكها السياسي الاصفر – الاخضر – البرتقالي، وأخرجت من المراكز الاساسية المالية والمصرفية، كلَّ من لا يقدّم لها “الولاء” السياسي المطلق، ومن هؤلاء، بعاصيري. ويبدو السفير السعودي، أراد من خلال استقبال بعاصيري في السفارة، التأكيد ان المملكة لا تعترف “بلبنان – حزب الله”، بل بلبنان المستقلّ عنه.
يتأكد يوما بعد يوم كم ان موقع لبنان الاستراتيجي عامل مؤثر في عملية انقاذه من مأزقه الاقتصادي والمالي. فالاصلاحات بلا شك تلعب دورا كبيرا في تشجيع او “تهشيل” الدول المانحة، وأبرزها عربي – خليجي – اوروبي – اميركي، غير ان اصلاح مكانه في الصراع الاقليمي المستعر اليوم، وإخراجه من الحضن الايراني الذي وضعه حزب الله فيه، وإعادته الى حياده معتمدا سياسة النأي بالنفس قولا وفعلا، يُعد ايضا ضروريا وأكثر، لتسريع عملية انتشاله من الحفرة وفتح باب المساعدات العربية والغربية المخصصة له… وذلك يتطلّب بلا شك، خروج السلطة من يد حزب الله، وقيام حكومة مستقلّين حقيقيين.. وللاسف، يبدو هذا الامر مستبعدا لا بل مستحيلا اليوم، تختم المصادر.