كانت معاودة الدولار ارتفاعه مسألة متوقّعة من قبل أهل الاختصاص في علم الاقتصاد والنقد.. وعامّة الناس! وحدهم، أهل الحكم وبعد سلسلة اجتماعات مكوكية عقدوها في ما بينهم على عجل الاسبوع الماضي، عقب انفجار الشارع غضبا مع ملامسة الدولار الـ6000 ليرة، أرادوا رؤية العكس وتبشير اللبنانيين بأن الخطة التي تم التوصل اليها، والتي تقضي بضخّ العملة الخضراء في السوق، ستفضي الى لجم تحليق الاخيرة، وقد ذهب الرئيس نبيه بري الى القول ان الدولار سينخفض خلال اسبوع الى 3900 قبل ان يعود تدريجيا الى 3200!
سواء كانت هذه المواقف لتخدير المواطنين، أو كانت فعلا نتاج اقتناع الفريق الحاكم بأن “الاستراتيجية” التي وضعوها ستكون فاعلة ومثمرة، لا فرق… النتيجة واحدة: الدولار عاد ليرتفع ملامسا في السوق السوداء الـ7000 ليرة وأكثر. هذا الواقع الاليم، اعاد اللبنانيين الى الشارع بعد ان انعكس على اسعار السلع الاستهلاكية كلّها، ضاربا من جديد قدرتهم الشرائية، كما اصاب الارتفاع ايضا التغذية بالكهرباء وقد اضطر اصحاب المولدات الى إطفائها، وحتى الاتصالات الهاتفية حيث أدى نقص المازوت الى تعطل شبكات وشركات الارسال في اكثر من منطقة.
لكن اللافت للانتباه هو ان السلطة لم تحاول التحرك لمعالجة المصيبة، ولو “صُوَريّا”. فبحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، خلافا لما جرى في الاسبوع الماضي، انكفأ الحكم والحكومة تماما، وجلسا يتفرّجان ويشكوان.. وبيان رئيس مجلس النواب أمس، خير دليل! فقد اعتبر بري ان “من غير المقبول بعد الآن جعل اللبنانيين رهائن للأسواق السوداء في العملة والغذاء والمحروقات”. وقال ان “انهيار سعر الصرف يفرض اعادة النظر بكل الاجراءات التي اتخذت لحماية العملة الوطنية ويفرض على الحكومة والمصرف المركزي وجمعية المصارف اعلان حالة الطوارئ المالية”.
اما اليوم، فانعقد اللقاء الوطني في قصر بعبدا، جامعا أركان السلطة واحزابها، وبدل ان يكون الهم المعيشي الحاضر الابرز والاوحد، غردت النقاشات بعيدا وركّزت على السلم الاهلي، في حين بدا الرئيس ميشال عون مسلّما بعدم القدرة على الحل “مع استسهال البعض العبث بالامن وتناغمه مع الخارج لتجويع اللبنانيين”، اي انه رمى مسؤولية التعثر على “الآخرين”، في حين أقرّ رئيس الحكومة حسان دياب بلسانه بأن ما يهمّ الناس هو ضبط سعر الصرف، الا انه لم يطرح اي حل مقترحا كالعادة تشكيل لجنة لمتابعة مقررات الحوار…
هي مفارقة غريبة عجيبة، ان تشكو السلطة بدل ان تتصرف! وفي هذا الإحجام الوزاري عن التحرّك وفي هذا التخبط الرسمي، دليل واضح الى عجز فاضح وفادح عن ايجاد الدواء الحقيقي الفعلي للازمة التي يتخبط فيها لبنان. السلطة تبدو استسلمت امام المأزق، وهي لم تعد حتى قادرة على ابتداع “إبر” بنج لايهام الناس بأنها تعمل على إخراجهم من الحفرة.
امام هذا المشهد، أليس من الاشرف لها الاستقالة وترك الساحة لمَن هم فعلا تكنوقراط واختصاصيون ومستقلون، لمحاولة إنعاش المريض المنازع قبل ان يلفظ انفاسه الاخيرة؟