لا يكاد يمر شهر او عام إلا وتتلقى فيه الشراكة بين القطاعين العام والخاص ضربات قاسية وقاصمة. وفي أحدث فصول هذا المسلسل، وافق مجلس الوزراء في جلسته امس على طلب مقدم من وزارة الدفاع لبيع طائرات السيكورسكي والهوكر هنتر التي حصل عليها لبنان قبل سنوات بموجب هبات.
وفي وقت قد ينبري البعض إلى تبرير خطوة الحكومة ووزارة الدفاع بإرادتهما الاستحصال على نوعية أفضل من الطائرات والعتاد، وهو أمر مبرر ومشروع ومنطقي، فإن ذلك لا يحجب الضوء عن تساؤلات، بل شكوك عن احتمالات أن يخفي القرار الحكومي بين طياته ما تسميه مصادر مطلعة على ملف طائرات السيكورسكي المخصصة لاخماد الحرائق، عبر “المركزية” صفقة جديدة قد تكون أطاحت الهبة الأولى لمصلحة خيارات نفعية ضيقة.
ذلك أن خطوة مجلس الوزراء هذه تأتي على مسافة شهور معدودة من الذكرى الأولى لنكبة الحرائق الشهيرة التي التهمت الأخضر واليابس في الثروة الطبيعية اللبنانية في 15 تشرين الأول 2019. مشهد غابت عنه طائرات السيكورسكي التي ما استقدمت إلا للمساهمة في عمليات إطفاء النيران في هذا النوع من الكوارث الطبيعية والبيئية. وهو ما أدى إلى رسم كثير من علامات الاستفهام حول أسباب الغموض الذي غلف مصير هذه الطائرات وغيبها عن الصورة عندما دعت الحاجة الملحة إليها. وتكشف المصادر أن السبب الأساس وراء عدم التكمن من إخماد حرائق 15 تشرين الأول بهذه الطائرات، هو توقفها عن العمل منذ العام 2016، لا لشيء إلا لأن وزارة المال لم تؤمن الاعتمادات اللازمة للصيانة.
ومن هذا الباب تحديدا تطلق المصادر سهام الانتقاد، والاستنكار للقرار الحكومي، لافتة إلى أن التذرع بكلفة الصيانة الباهظة لا يعتد بها، لأن هذه الكلفة تبقى أقل من ثمن أي حريق يمكن أن تلتهم نيرانه ثروة طبيعية، إلى جانب كون الطوافة العادية (700 ليتر) التي قد يتم اللجوء إليها لا يمكن أن تتمتع بمفعول السيكورسكي نفسه، على اعتبار أن الطوافات من هذا الطراز تبلغ سعتها 4 آلاف ليتر.
وتشدد المصادر على أن على عكس ما يعتقد كثيرون، فـإن استخدام السيكورسكي لا يقتصر على إخماد الحرائق، بل يمكن استعمالها في نقل الجنود، وقد استعملت في عمليات البحث عن ضحايا الطائرة الاثيوبية عام 2010.
تختم المصادر مذكرة بأن قرار مجلس الوزراء غير سليم في حق الناس الذين سعوا إلى تأمين طائرات السيكورسكي، على رأسهم جمعية “أخضر دايم” وجم المصارف، إضافة إلى كثير من الهبات العينية والمالية التي أسهمت في نجاح هذه العملية مذكرة بأن وفدا من أفراد سلاح الجو في الجيش اختار هذه الطائرات وتسلمها في لندن وعاد بها إلى بييروت، مع العلم أن جمعية أخضر دايم كانت قدمت أيضا مبلغ مليون دولار، إضافة إلى أعمال الصيانة وتدريب الطيارين على استخدام هذه المروحيات، في ما جسد واحدا من أفضل وجوه الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الذي مني اليوم بضربة حكومية قاسية.