كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:
بات الجميع على يقين أن السياسة الخارجية التي قادها وزير الخارجية السابق جبران باسيل منذ العام 2014 إلى حين مغادرته قصر بسترس هي من أحد الأسباب التي أوصلت لبنان إلى العزلة العربية و”خرّبت” علاقاته مع الدول الصديقة التي كانت تدعم بلاد الأرز.
إستلم الوزير الحالي ناصيف حتّي مقاليد الديبلوماسية اللبنانية، لكن “التركة” كبيرة جداً، إذ ليس بـ”كبسة زرّ” تعود العلاقات اللبنانية – الخليجية إلى سابق عهدها بعدما اختار العهد الإصطفاف إلى جانب المحور السوري – الإيراني في وجه الإجماع العربي، بينما كان المطلوب من لبنان الوقوف على الحياد لا أكثر ولا أقلّ.
وفي السياق، فإن الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله يواصل هجومه على السعودية ودول الخليج نصرةً للحوثيين المدعومين من إيران، ضارباً عرض الحائط بمصالح الدولة اللبنانية، في حين أن الحكومة تحاول التمايز بعض الشيء عن “حزب الله” لكن من دون أن يستطيع رئيس الحكومة حسان دياب فتح ثغرة في جدار المقاطعة الخليجية لبيروت، فهو حتّى الساعة لم يُعط موعداً لزيارة الرياض، والظاهر أنه قد يغادر السراي من دون أن يحصل على مثل هكذا موعد.
وفي إطار العمل على اعتماد مبدأ الحياد الذي ينادي به الوزير حتّي منذ استلامه “الخارجية”، كانت ملفتة إدانة وزارة الخارجية القصف الصاروخي الذي تعرضت له الرياض، خصوصاً أنها اعتبرت في بيانها أن هذه العملية هي “عملية إرهابية وتعدّ إنتهاكاً لكل الأعراف والمواثيق الدولية وتعطيلاً للجهود الرامية لتحقيق السلام”، مؤكدة “تضامن لبنان حكومة وشعباً مع السعودية في مواجهة أي محاولة لاستهداف أمنها واستقرارها”.
وفي قراءة لمضمون البيان، فإن البيانات السابقة لوزارة الخارجية أثناء فترة تولّي باسيل لـ “الخارجية” كانت بيانات مجاملة، أما بيان حتّي فهو نوعيّ واستعمل مصطلحات لم تكن في قاموس الحكومات السابقة، حيث وقف ضد الإعتداء الحوثي (حليف “حزب الله”) بالمباشر معلناً التضامن مع الرياض.
وأمام كل هذه التطورات في الموقف الدبلوماسي اللبناني، يُنقل عن حتّي تأكيده أنه يتبع سياسة خارجية واضحة وهي حماية مصالح الشعب اللبناني في أي بقعة من الأرض، وليس لديه أي أهداف سياسية أو طموحات من نوع آخر (كونه مارونياً)، بل إنّ ما يتحكّم بسياسة “الخارجية” هو كل ما يؤمّن مصلحة لبنان وإستقراره وصون علاقاته الدولية.
ويبدو أن حتّي، صاحب الخلفية الديبلوماسيّة، متمسّك بالثوابت الوطنية وهي أن لبنان هو صلة الوصل بين الشرق والغرب ولا يمكنه أن يقطع علاقاته لا مع واشنطن ولا مع الرياض ولا مع أي دولة صديقة للبنان، وبالتالي فإن موقفه الأخير نابع من رؤيته للعلاقات اللبنانية – العربية، خصوصاً ان الدول العربية وقفت إلى جانب لبنان في أصعب المراحل.
وتشير مصادر في وزارة الخارجية لـ”نداء الوطن” إلى أن المطلوب العودة إلى مبدأ “النأي بالنفس”، وهذا الأمر كان مطروحاً سابقاً ولم يطبّق حتى في زمن الحكومات التي ترأّسها سعد الحريري وشاركت فيها قوى “14 آذار”، لذلك فإن الخارجية تسير وفق هذا المبدأ وتتطلّع إلى نسج أفضل العلاقات مع الدول الصديقة.
ووفق هذا الخط البياني الذي يحاول حتّي رسمه لوزارته، فإن التأكيدات هي أن وزارة الخارجية مع “الحياد الإيجابي” وملتزمة كل موجبات التضامن العربي والوحدة في وجه التحديات التي تعصف بالمنطقة، وبالتالي فإن محاولة أخذ لبنان إلى محور معادٍ للعرب أو أوروبا والغرب يرفضها حتّي، ويصرّ على تطبيق “الحياد الإيجابي” والسياسات التي تحمي مصالح الدولة اللبنانية ولا تدخل البلد في لعبة المحاور.
وينقل عن حتّي أيضاً رفضه لكل الكلام الذي يقال عن أن هذه الحكومة تريد تغيير وجه لبنان وأخذه شرقاً أو في إتجاهات مغايرة لتوجهاته الخارجية التاريخية، وفي نظر وزارة “الخارجية” فإن السياسات الخارجية تقرّرها الحكومات وليس وزارة الخارجية وحدها، وبالتالي فإن السياسة المتبعة الآن هي متوازنة وتتناسب مع التوازنات الداخلية والإقليمية، وإذا كان هناك من خلل فقد حصل في الحكومات السابقة وليس مع هذه الحكومة.