كتبت مريم سيف الدين في صحيفة “نداء الوطن”:
نجح الجيش اللبناني في تنفيذ الخطة الأمنية التي وضعت لتمرير “اللقاء الوطني” الذي عقد في قصر بعبدا ظهر أمس. فانتشرت عناصره في مختلف الطرقات المؤدية إلى القصر وأقيمت الحواجز العسكرية عند كل مفترق، للتدقيق في هويات وسيارات المارة، ولمنعهم من الإقتراب والتجمع قرب القصر. فتحوّل العلم اللبناني في السيّارة تهمة كافية تدفع العسكري لمنع السائق من سلوك الطريق المؤدي من الحازمية إلى بعبدا وإن لم تكن وجهته القصر. ونجح انتشار الجيش والحرس الجمهوري وقوى مكافحة الشغب، وإحاطتهم المتظاهرين، ومراقبة كل تحرّكاتهم في منعهم من التجمع. فاتجه معظمهم للاعتصام أمام قصر العدل في بيروت، حيث تظاهر أهالي الموقوفين من البقاع منذ عدة أيام، للمطالبة بإطلاق سراح أبنائهم. وشهد التحرّك توترات عدة، بينما كان الأهالي المقهورون والعاجزون يحاولون الضغط بقدر ما أمكنهم من أجل إطلاق سراح أبنائهم.
على طريق القصر لم تنجح التحركات، وبدت هزيلة. فتجاوز عديد القوى الأمنية عديد المعتصمين. وانقسم التحرك إلى تحركين، تحرك ضم العشرات الذين أصروا على مطالب الانتفاضة بإيجاد حلول إقتصادية ومكافحة الفساد… على بعد أمتار منه نفّذت مجموعة لا يتجاوز عديدها العشرة أشخاص اعتصاماً للمطالبة بتطبيق القرار 1559 القاضي بنزع سلاح الميليشيات. وأصرّت المجموعة على الوقوف بمفردها والتفرد بمطلبها وإبرازه.
ودفعت الضغوطات التي مارستها القوى الأمنية معظم المنتفضين على طريق قصر بعبدا للإنتقال إلى أمام قصر العدل في بيروت، حيث كان أهالي الموقوفين يحاولون الضغط بأي وسيلة متاحة أمامهم من أجل إطلاق سراح أبنائهم، خصوصاً بعدما لم تلق الدعوات للاعتصام في بعبدا التجاوب الكامل. وعلى طريق القصر حرص عناصر الجيش على مراقبة كل متظاهر ورصد كلّ تحرّك، وسؤال حتى المشاة المنفردين عن وجهتهم، في ممارسات أشعرت المتظاهرين بالترهيب.
في بعبدا، تمرّ سيارة على حاجز استجدّ لشلّ حركة المتظاهرين، فيلتفت العسكري بسرعة إلى العلم اللبناني الموضوع في السيارة، يقول للسائقة: “أعرف إلى أين أنتِ ذاهبة، ما هذا الذي في سيارتك؟” في إشارة إلى العلم. وهكذا بات حمل العلم اللبناني تهمة وعلى المارين عند حواجز الجيش إخفاؤه ليسمح لهم بالمرور.
أمام قصر العدل في بيروت بدأت التحرّكات هادئة قبل أن تتشنّج الأجواء. فأهالي الموقوفين الذين حاولوا التماسك بداية، إنهار البعض منهم بالبكاء أمام عدسات الكاميرات بعد الإنتظار والهتاف، على الرغم من الإصرار والتحدي الذي أظهروه بداية الاعتصام. وعمد والد أحد الموقوفين الى رمي مادة البنزين على جسده تمهيداً لحرق نفسه، فسارع المتظاهرون لمحاصرته ومنعوه من ذلك. “أنت أقوانا” يقول له أقرباؤه ورفاقه وهم يحاولون تهدئته والتخفيف عنه. وبلَوعة وغضب العاجز استمرّ أهالي الموقوفين في محاولات الضغط من أجل إطلاق سراحهم. فواجهتهم قوى مكافحة الشغب ومنعتهم من الدخول عنوة إلى قصر العدل، بالتوازي عمدوا إلى قطع الطريق المحاذية. وإذ لم يبدُ كافياً تضامن المنتفضين معهم، حاول هؤلاء كسب تضامن المارة في سياراتهم، من دون جدوى. ولم يوجه اللوم والاتّهام إلى المسؤولين فحسب، بل وإلى المارة وبقية المواطنين الذين اتهمهم الأهالي بالتقاعس.
ونال الإعلام حصّته من غضب بعض الشبان، الذين ولحظة محاولتهم الدخول بالقوة إلى قصر العدل حاولوا منع الصحافيين من إتمام عملهم، وهددوا بتحطيم معداتهم. إذ يخشى هؤلاء من تصويرهم وهم يتواجهون مع القوى الأمنية كي لا يتم توقيفهم كما حصل مع أقربائهم. وفات هؤلاء أن لدى القوى الأمنية مصوّريها، وأنّهم يشتبكون معها في أماكن مليئة بكاميرات المراقبة، في حين يحتاجون إلى التغطية الإعلامية كنوع من الحماية.
وهتف المتظاهرون مجددين مطالبة رئيس الجمهورية ميشال عون بالرحيل. كما طالبوا رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي سهيل عبود بتحقيق العدالة. وتحدث متظاهرون عن الاستنسابية في التوقيفات، إذ أشاروا إلى عدم توقيف شبان آخرين قاموا هم أيضاً بالتكسير والحرق، معتبرين أن الاعتبارات والحمايات السياسية وراء الأمر. ومع مرور الوقت بدأ عدد المتظاهرين بالتراجع قبل أن تعيد القوى الأمنية فتح الطريق.