كتب أحمد الأيوبي في “اللواء”:
خاض الرئيس ميشال عون وفريقه السياسي معركة أخرى من المعارك الوهمية أشعلتها دعوته إلى ما أسماه «اللقاء الوطني» للحوار في قصر بعبدا، والذي انتهى بتكريس عزلة عون وتموضعه كطرفٍ في الصراع المندلع في البلد على الخيارات الكبرى التي ينبغي للبنان سلوكها بعد وصول الأزمة مرحلة اللاعودة، وسط محاولاتٍ حثيثة لبناء مرجعية رئاسية خارج الدستور ومساعي لحصر الحوار في الكارثة الاقتصادية ومنع إثارة العلّة الأساس المتمثّلة بسلاح «حزب الله» غير الشرعي.
يقول المثل اللبناني السائد «من جرّب المجرَّب كان عقله مخرّب». فالاستنتاج الأول أنّ من قاد البلد على مدى السنوات الماضية بالتكافل والتضامن، وبلغ الذروة في تحالف السلاح والفساد، ليس مؤهّلاً بأيّ شكلٍ من الأشكال لإنقاذ البلد.
ورغم احتواء البيان مفردات الأزمة الراهنة، إلاّ أنّ المسار والنتائج تبدو صادرةً عن مجموعة منفصلة عن الواقع، تتصرّف وكأنّ لبنان في حالته الطبيعية ولا يمرّ بأخطر أزماته منذ قيامه حتى اليوم.
بيان عجرفة السلطة واستقوائها
حمل البيان الختامي لـ«اللقاء الوطني» جملة عناوين هدفت بالإجمال إلى الحفاظ على حصانة السلطة بعناوين قانونية مثل «تجريم التحقير والشتيمة»، ورغم ادعاء التمسّك بالمعارضة كتجسيدٍ للحياة الديمقراطية، لكنّ الرئيس عون اعتبر أنّ الحوار لا يحتاج إلى إجماع، وبالتالي أصرّ على عقد اللقاء بجماعة اللون السياسي الواحد، وعندما تحدّث الرئيس السابق ميشال سليمان عن «إعلان بعبدا» والاستراتيجية الدفاعية وقال إن «حزب الله» نقض الاتفاقات ما تسبب بعزل الدولة، أخذ نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي المبادرة ليقاطع سليمان بذريعة أنّ الوقت ليس لتحويل المنابر الحوارية إلى منابر لكسب الشعبيّات، كما تدخّل النائب محمد رعد ليعود سليمان ويردّ على الردّ بشكل حادّ مما أدى الى السجال.
رفض الرأي الآخر
أظهرت ردود رعد والفرزلي إرادة هذا الفريق قطعَ الطريق على الرئيس ميشال سليمان في التعبير عن رأيه بسلوك «حزب الله» ونقض توقيعه على إعلان بعبدا الذي دعا لحياد لبنان، مما أعطى الانطباع بأنّ الرأي الآخر في الاجتماع غير مرغوبٍ به، لأنّ رعد والفرزلي استخدما لغة المزايدات لمنع إثارة الإشكالية الكبرى التي يواجهها البلد، وهي سلاح الحزب وضرورة الوصول إلى استراتيجية وطنية للدفاع.
كان واضحاً أنّ الحزب التقدمي الاشتراكي ساير الرئيس نبيه بري لجهة حضور الاجتماع، لكنّ وفده احتفظ بالمواقف الأساسية بدون تغيير، فالمذكّرة التي قدّمها النائب تيمور جنبلاط دعت لإستعادة النقاش حول الاستراتيجية الدفاعيّة وفق القواعد التي وردت في جلسات الحوار السابقة ونبّهت من خطورة المقترحات المطروحة بالتوجه نحو الشرق وربط لبنان بدول وأنظمة تقع خارج المنظومة الدولية وبعضها يسير في الإتجاه المعاكس للتاريخ ويعيد إحياء عناوين مضى عليها الزمن.
فيك الخصام..
قال البيان إنّه «يجب وقف الحملات التحريضية التي تؤدي الى الفتنة» من دون أن يجيب عن من هو المسؤول عن هذه الحملات، رغم وضوح مسؤولية الثنائي الشيعي عن إطلاق الإساءات بحقّ السيدة عائشة رضي الله عنها، وقيام مجموعاتهما بالاعتداء على وسط بيروت وسرايا الحزب بتخريب طرابلس.
هذا الموقف مثيرٌ فعلاً للاستغراب، ويمثل حالة من يقتل القتيل ويمشي في الجنازة ويقف في الصف متقبِّلاً العزاء.
تحدّث بيان بعبدا عن أنّ «الاستقرار الأمني هو أساس لا بل شرط للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي والنقدي»، وكأنّ المتحدثين لا يملكون من السلطة شيئاً لتطبيق القانون وفرض الأمن والاستقرار. والواقع أنّهم يملكون مفاتيح الدولة ولكنهم يجعلونها في خدمة الدويلة، لهذا تصبح جهود حفظ الأمن مضيعة للوقت، لأنّ راعي الفوضى هو نفسه الممسك بزمام السلطة.
ألا في الفتنة سقطوا
تطرّق البيان إلى وجوب «التصدي للفتنة والشحن الطائفي والمذهبي باعتبارها مسؤوليّة جمَاعيّة تتشارك فيها جميع عناصر المجتمع ومكوّناته السياسيّة». وشأن أهل السلطة في هذا الطرح قائم على إشراك خصومهم في المغارم وطردهم من الدولة للاستئثار بالمغانم.
باسيل: الإستقواء بالسلاح
مارس النائب الصهر جبران باسيل دور «الأستاذ» المنظّر على الحكومة، فلاحظ الانخفاض الملحوظ في انتاجيّتها، وتشدّق بنظرية من يرفض الحوار إنّما يدلّ على نواياه بتعطيل الإنقاذ معتبراً أنّ «الفتنة تحتاج لطرفين فهي لن تقع لأنّ الطرف الأقوى لا يريدها. ويكفي أن نعقد العزم ونتوافق فيما بيننا على عدم وقوعها، فلا تقع».
أيّ منطق هذا الذي يصدر عن جبران باسيل الذي يريد أن يجعل قوّة السلاح قاعدة في التعامل السياسي الرسمي للدولة، لأنّ هذا الكلام صدر عنه في اجتماع «الحوار الوطني» في بعبدا، وهذا يعكس حقيقة الرؤية الفعلية لهذا الطرف الذي يعتبر الدولة «ورقة توت» لستر العورات السياسية، بينما هو يصرّ على تشريع الأمر الواقع المستند إلى قوّة السلاح.
إنّ القرارات الوطنية يجب أن تصدر عن المؤسّسات الدستورية وليس باختلاق لقاءات تختصر تلك المؤسّسات لصالح تضخيم «الذات الرئاسية» على حساب المصلحة العليا، وما تمخّض عنه لم يكن أكثر من أداءٍ مسرحيّ لأطراف التحالف الحاكم تخلّلته مناوشات من الحزب الاشتراكي والرئيس سليمان، وأعطاها رئيس الحكومة حسان دياب لمسته الإبداعيّة عندما دعا إلى «أن يكون هذا اللقاء هو بداية عمل وطني واسع، تنبثق عنه لجنة تتابع الاتصالات تحت قبة المجلس النيابي مع جميع القوى السياسية والحراك المطلبي وهيئات المجتمع المدني على أن ترفع توصيات إلى هذا اللقاء مجدداً برعاية فخامة رئيس الجمهورية»، وكأنّ المشهد كان ينقصه مثل هذا الطرح السفسطائي الذي يذكّرنا بويلات ما نحن فيه من كوارث ومحن، بسبب وجود أمثال هؤلاء في السلطة.
نواب «سرايا المقاومة»
يبقى أنّ حوار بعبدا كشف مرّة جديدة أنّ هناك بعض النواب المحسوبين على أهل السنة ليسوا أكثر من واجهة لمرجعيّتهم في الضاحية، وهكذا شكّل حضور النائب فيصل كرامي جلسة الحوار تأكيداً على أنّ كرامي ومن معه ليسوا أكثر من واجهة سياسية لـ»سرايا المقاومة» وهم الذين لم يدفعهم تورّط محور الممانعة في تفجير مساجد طرابلس للانتفاض لكرامتهم والخروج من دائرة الاستلحاق التي ليس لها سوى ترجمة واحدة، وهي مخالفة الإجماع السنّي لصالح أطراف تستهدف أهل السنة بالتفجير والحصار وسرايا التخريب.