Site icon IMLebanon

أنقِذوا قطاع الخلوي

كتب إيلي الفرزلي في “الاخبار”:

قطاع الخلوي يعاني أيضاً. الخدمة تتراجع في أكثر من منطقة. أزمة المازوت فاقمت من الأزمة، وخاصة في شركة «تاتش». حتى تغيير مجلس الإدارة لن يحلّ المشكلة. شركتا الخلوي مقيّدتان بقانون الموازنة الذي يمنعهما من الدفع للمورّدين، الذين يخيم عليهم شبح الإفلاس بعد سنة ونصف سنة من عدم الحصول على أموالهم

يوم الجمعة المقبل، تلتئم الجمعية العمومية لشركتَي «ألفا». أبرز البنود على جدول أعمالها تعيين مجلس إدارة جديد. الأسماء سبق أن أعلنها وزير الاتصالات، وبالتالي، فإن الجمعية ستكون مهمّتها تثبيت هذا التعيين قانوناً. لكن الأمر لم يتضح بعد في «تاتش». حتى اليوم، لم يحدد موعد الجمعية العمومية، بالرغم من أن مصادر متابعة تتوقع أن لا تتأخر قبل أن تحذو حذو «ألفا». إن تحقق ذلك، ستبقى شركتا «أوراسكوم» و«زين» لأسابيع إلى جانب مجلسَي الإدارة الجديدين، إلى أن تنتهي عملية التسلّم والتسليم التي بدأت منذ أسابيع.

المجلسان اللذان يُفترض أن يديرا القطاع لفترة مؤقتة تنتهي مع إنجاز مناقصة جديد لإدارة الشركتين، سيتسلّمان قنبلة موقوتة. القطاع الذي ظل لسنوات نفط لبنان، بدأ الترهل يتسلل إلى جسده. النتيجة المتوقعة الأولى أن الإيرادات ستنخفض بشكل كبير، نظراً إلى انهيار سعر الصرف. الأرباح التي كانت تقارب المليار دولار (1500 مليار ليرة) بالكاد تساوي اليوم 200 مليون دولار. لكن المشكلة لن تقتصر على الشق المالي. ثمة خوف جدي من أن يطاول الانهيار خدمة الاتصالات بذاتها. المؤشرات تزداد، وليس توقف الإنترنت والاتصالات في بعض المناطق سوى عيّنة على ذلك. وصل الأمر إلى حد انتظار «كهرباء الدولة» لتشغيل الهواتف الخلوية. ما إن ينقطع التيار الكهربائي حتى تنقطع الاتصالات بفعل توقف المحطات عن العمل. عدد المحطات والسنترالات التي أطفئت بفعل فقدان مادة المازوت يزداد، من دون أن يلوح أي حلّ مستدام في الأفق. لكن يبقى لافتاً أن المعاناة الفعلية محصورة بمشتركي «تاتش» فقط. بالنسبة إلى «ألفا»، الوضع مضبوط إلى حد كبير. سبق لها أن لزّمت تزويد المحطات بالمازوت لشركة «باورتيك» قبل انتهاء عقد الإدارة، ولم يبق من ضمن مسؤولياتها سوى تزويد السنترالات الرئيسية بالمحروقات. هذه تؤمّنها «ألفا» من ميزانيتها حالياً. في «تاتش» الوضع مختلف. تأمين المازوت يتم بعقود دورية. وهذا نظراً إلى انتهاء مدة عقد الإدارة، يتحكم به عاملان: مصالح «زين» وحساباتها وفقدان المادة من السوق. هذان عاملان يتكاملان في إعادة الشبكة سنوات إلى الوراء. «زين» تدفع بعضاً من تكاليف المازوت من حسابها. لكن الكثير من المحطات تعمل حالياً، لأن وزير الطاقة، بالتسيق مع وزير الاتصالات، التزم بتأمين المازوت لأحد المورّدين، على أن يدفع ثمن البضاعة عندما يحصل على أمواله من «تاتش». يُحكى أن هذه العملية كانت تتم من دون علم المدير العام لــ«تاتش» إمري غوركان، خوفاً من أن يمنعها. المورّد كما غيره عشرات المورّدين يصارع الإفلاس، نتيجة عدم حصولهم على مستحقاتهم منذ سنة ونصف سنة. تؤكد المعلومات أن عدداً من الشركات المتعاقدة مع «تاتش» إما أقفل أبوابه أو صرف موظفيه، بسبب عدم قبض مستحقاته. في «ألفا» الوضع مغاير. ظلت الشركة تدفع للموردين حتى نهاية شباط الماضي، أي إلى حين إقرار قانون الموازنة الذي منع شركتَي الخلوي من دفع أي مبالغ عدا عن الرواتب.

لكن، لماذا لم تدفع «تاتش» الأموال لمستحقيها، طالما أنها متوفرة؟ من يعمل في القطاع، يجزم أن «زين» تعمّدت عدم الدفع مقابل تحويل كل الأموال إلى وزارة الاتصالات، لتظهر أنها تحوّل مبالغ كبيرة إلى الدولة. تلك الخدعة المحاسبية التي ركّزت على رفع معدل التدفقات النقدية والتحويلات للوزارة، مقابل إغراق الموازنة بديون متراكمة ساهمت في تردي الخدمات المقدمة إلى الشركة. مع بداية العام الحالي، توقفت تلك الآلية لأن مجلس الإدارة انتهت مدته، ولأن الجمعية العامة لم تنعقد للتجديد لها. كانت النتيجة ولا تزال: الأموال تتراكم في حساب الشركة، لأنها لم تعد قادرة على تحويل الأموال ولا على الدفع للموردين.

النتيجة اليوم كارثية بكل معنى الكلمة. ملايين الدولارات متوجبة للمورّدين، لكن الأزمة النقدية وانهيار سعر الصرف أديا إلى انعدام شبه تام للعائدات بالدولار. هذا يعني أن الدولار الذي كان يمكن دفعه للمورّد في عام ٢٠١٩ على سعر ١٥٠٠ ليرة، سيدفع لاحقاً على سعر ١٠ آلاف ليرة أو أكثر، أضف إلى أن مراكمة الأموال في حساب الشركة قد تكون نهايتها الخضوع للهيركات. هذه خسائر قد يكون من الصعب تجاوزها، وهي تهدّد خدمات الاتصالات بشكل فعلي. ومن يتحمّل مسؤوليتها هي شركة «زين».

يضاف إلى كل ذلك أن تعيين مجلسَي إدارة جديدين لن يحلّ الأزمة. وبالرغم من أن هذه الخطوة ستنهي مرحلة تعمّد إنهاك القطاع، وربما إفلاسه، إلا أن عمل مجلس الإدارة سيكون مكبّلاً بالمادة ٣٦ من الموازنة العامة. تلك المادة، أنهت إمكانية أن توقّع شركتا الخلوي على صرف أي مبالغ مالية، عدا عن رواتب الموظفين. إذ تشير حرفياً إلى أنه «خلافاً لأي نص قانوني أو تعاقدي آخر، وباستثناء الرواتب، تلزم الشركات المشغلة لقطاع الخلوي بتحويل الإيرادات الناجمة عن خدمات الخلوي إلى حساب الخزينة في مصرف لبنان…».

الأسوأ أن المادة ٣٦ أشارت إلى أن آلية الدفع للموردين يجب أن تحدد بقرار من مجلس الوزراء. الآلية لم تصدر بعد، وهذا يعني أن المورّدين سينتظرون طويلاً للحصول على أموالهم. أحد المطّلعين يشير إلى احتمال أن يصبح الأمر منوطاً بوزارة المالية، التي تزاد إلى مهماتها مهمة الدفع لموردي شركتَي الاتصالات. تلك آليّة لا تتناسب مع فلسفة إدارة شركات الخلوي، التي تفرض العمل وفق آليات القطاع الخاص، بما يسمح بالاستجابة للمتغيّرات المتسارعة في القطاع. كل العاملين في الاتصالات يدركون أن استمرار العمل بالمادة ٣٦ من الموازنة سيسرع في انهيار خدمات الاتصالات. لذلك تؤكد مصادر مطّلعة أن وزير الاتصالات يعمل على تقديم اقتراح لإلغاء هذه المادة.