لن يقتصر موعد الاول من تموز، حينما يستعيد مطار رفيق الحريري الدولي النبض وتدب الحياة في شرايين التواصل بين لبنان والعالم مجددا، على موجة هجرة لم تشهد لها البلاد مثيلا بفعل انعدام الامل، لا سيما الشبابي بالمستقبل، بعدما سُدت في وجهه كل الابواب، وتلاشت احلام ناضل لاجلها، ذلك ان في موازاة نزف الادمغة واستنزاف ما تبقى من رصيد يعوّل عليه لاعادة بناء الوطن، اذا ما قُدر له وبقي من فتات الامل ما يمكن البناء عليه، تتوقع مصادر دبلوماسية غربية حركة إياب من الخارج المهتم، في اتجاه لبنان استطلاعا للتطورات الخطيرة وللاندفاعة السريعة نحو الانهيار واسباب عدم اخذ الحكم والحكومة بنصائح دول الدعم لجهة تنفيذ الاصلاحات التي تشكل المعبر الالزامي للحصول على المساعدات الموعودة بعدما باتت مثابة جرعة اوكسيجين ضرورية لمنع الاختناق ودخول “الموت السريري”.
وتكشف المصادر الدبلوماسية لـ”المركزية” ان جائحة كورونا التي جمّدت التواصل المباشر على المستويين السياسي والدبلوماسي في العالم على مدى ثلاثة اشهر واقفلت المطارات، حالت دون متابعة بعض دول الغرب الراعية للبنان تطوراته الدراماتيكية وبلوغها مستويات لم يشهد لها مثيلا تاريخه الحديث، منذ الحرب العالمية الاولى على الارجح. وللغاية فإن الساحة اللبنانية ستشهد حركة دبلوماسية ناشطة وزيارات لمسؤولين تصنّفها في غاية الاهمية، حيث سيعقد هؤلاء اجتماعات مكوكية مع كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين والماليين للاطلاع على حقيقة الصورة وكيفية المعالجة وخلفيات الانهيار وتحديد مكمن الداء لتقديم المساعدة حيث يجب، اذا امكن.
وتتوقع المصادر ان تشمل هذه الزيارات في شكل خاص مسؤولين من دول الدعم لا سيما فرنسا والولايات المتحدة الاميركية التي دخلت بقوة على الخط اللبناني من خلال تداعيات قانون قيصر وحملتها التصعيدية الممنهجة على حزب الله والسلطة الحاكمة من خلفه باعتبارها “حكومة الحزب”، فيحمل الزوار رسائل مباشرة الى من يعنيهم الامر بوجوب تحييد الدولة عن الحرب المتدرجة المفتوحة مع الحزب والتحذير من مغبة المضي في السياسات الحالية، وما القرار القضائي الاخير في حق الاعلام واستدعاء السفيرة الاميركية دوروثي شيا الى وزارة الخارجية والرد الايراني اليوم على الخطوة، سوى دليل الى ما قد تبلغه الامور على مستوى التعاطي الاميركي مع الحكم بمجمله في لبنان، ان لم يأخذ بالنصائح ويعود الى فضاء “النأي بالنفس” لابعاد شبح عقوبات الـ”قيصر” عنه.
وفي السياق، تؤكد المصادر الدبلوماسية ان ثمة اجماعا في الدوائر الدبلوماسية الاجنبية العاملة في لبنان على ان اداء السلطة بات يشبه برج بابل، حيث يسمعون الشيء ونقيضه من المسؤولين وكلام ليل يمحوه النهار، ما يسهم في عرقلة عمل السفراء لجهة التقارير التي يرفعونها الى دولهم، وان بعض هؤلاء يعمد الى عقد لقاءات مع مسؤولين من خارج فلك السلطة الحاكمة لمحاولة استقصاء ما يجري وتلمس الحقائق وخلفيات الاداء السلطوي المستغرب في مرحلة بالغة الحراجة من تاريخ الوطن، وحركة السفير السعودي وليد البخاري خير دليل. فالرجل يفتح ابواب السفارة يوميا لمسؤولين سياسيين وماليين، في وقت ما زالت بلاده تقفل ابوابها في وجه رئيس حكومة لبنان الذي طلب موعدا لزيارة المملكة منذ نيل الحكومة الثقة لم يحصل عليه بعد، فيما سفيرها يستقبل ويزور معارضي نهج الرئيس حسان دياب وغير الراضين عن اداء حكومته، وقد حطّ اليوم في دارة الرئيس ميشال سليمان في اليرزة بعدما شكل بمواقفه ولا سيما بالتذكير بـ”اعلان بعبدا” نجم “اللقاء الوطني” الذي انعقد الخميس الماضي في القصر الجمهوري، في رسالة سعودية لا تحتاج للكثير من التحليل لفهم مضمونها.