كتبت رلى إبراهيم في “الاخبار”:
الطوابير المحتشدة أمام الأفران التي ارتبطت في أذهان اللبنانيين بالحرب الأهلية، عادت لتتحوّل «حدثاً» أسبوعياً، بجهود «كارتيل» الأفران والمخابز. هؤلاء، متى أرادوا إخضاع الدولة لمطالبهم، يعلنون الإضراب ويخلقون أزمة وهمية تنتهي بنشر الهلع، وهو ما حصل في اليومين الماضيين، قبيل الاجتماع اليوم بين نقابة الأفران ووزير الاقتصاد لمناقشة سعر ربطة الخبز.
لم يعد الأمر متعلقاً بـ100 غرام خفضاً لزنة ربطة الخبز أو 500 ليرة زيادة على سعرها، بقدر ما باتت أزمة أخذ «كارتيل الأفران» الناس رهائن تحت سيف التلويح بفقدان الرغيف. هكذا، لا يكاد يمرّ أسبوع من دون إعلان أصحاب الأفران والمخابز نيتهم الإضراب أو التوقف عن توزيع الخبز خارج صالاتهم، حتى «يُخضّ» البلد من أقصاه الى أقصاه، قبل أن «يتكرّم» الكارتيل، كما في كل مرة، بالتراجع عن قراره مع إعادة إشهار المطالب القديمة – الجديدة نفسها بضرورة رفع سعر ربطة الخبز حتى لا يتكبّد هؤلاء «الخسائر» الناجمة عن ارتفاع أسعار السلع التي تستعمل في صناعة الرغيف. هكذا باتت قصة «رغيف الخبز» تشبه تماماً شقيقتها قصة «إبريق الزيت»! فقبل اللقاء المقرر اليوم بين النقابة ووزارة الاقتصاد لمناقشة آلية مناسبة في ما خص رسوم التوزيع، عمد أصحاب الأفران، كما هي العادة، الى التوقف، أول من أمس، عن تسليم الخبز الى المحال والدكاكين، ما أثار هلعاًَ بين المواطنين من أزمة انقطاع الخبز، وأدى الى اصطفاف طوابير ضخمة أمام الأفران، قبل أن تخرج النقابة نفسها التي خلقت أزمة وهمية، لتؤكد أن «لا أزمة»، وأنها بناءً على «التمنيات» ستعاود توزيع ربطات الخبز الى المحال!
على هذا المنوال، يقول نقيب أصحاب الأفران علي إبراهيم لـ«الأخبار» إن «ما حصل هو فقط توقف الأفران عن توزيع الربطة خارج صالاتها، إلا أن وزنها وسعرها بقيا ثابتين، ولم يتوقف الانتاج. لكن، الناس أصيبوا بهلع غير مبرر». أمس زال الهلع، بحسب إبراهيم، «لكن لم تحل المشكلة الرئيسية بتحميل الأفران خسائر فادحة».
في نيسان الماضي، أعدّت وزارة الاقتصاد دراسة حول كلفة ربطة الخبر بوزن 1000 غرام وعلى أساس سعر صرف يوازي 3100، فتبيّن أن أصحاب الأفران يحظون بهامش ربح يوازي 22% داخل الصالة و12% إذا ما تم البيع بالجملة والتوزيع. يومها، كان مطلب النقابة رفع سعر الربطة 250 ليرة لتصبح 1750 ليرة، علماً بأنها أقدمت، من دون إذن الوزارة، على اقتطاع 100 غرام من وزن الربطة.
يشير نقيب أصحاب الأفران الى أن «إنقاص ربطة الخبز 100 غرام بسعر 1500 ليرة لم يعد مجدياً أساساً في ظل وصول الدولار الى 8 آلاف ليرة». والحل هو «إبقاؤها داخل صالة الفرن بـ1500 ليرة، لأن التوزيع يكبّدنا خسائر كبيرة، خصوصاً مع انقطاع المازوت واضطرار بعض الأفران الى شرائه من السوق السوداء بسعر مرتفع ومن دون فاتورة لتقديمها الى الوزارة». إبراهيم يرفض «تسميتنا بالكارتيل. لا أنكر أن كارتيل الأفران موجود، لكن هؤلاء ليسوا أكثر من 5% فقط، أما الباقون فمعتّرون». يضع إبراهيم الكرة لدى وزير الاقتصاد راوول نعمة لتحديد كلفة التوزيع، متحدّثاً عن «آلية جديدة» ستُناقش اليوم. أحد الطروحات يقوم على «بيعنا الخميرة والنايلون والسكر بسعر صرف يوازي 3200 ليرة للدولار، فتصبح الكلفة علينا على الورقة والقلم 1250 ليرة. لا يمكن إذاً الطلب منا توزيعها بـ1150 ليرة وتحمّل الخسارة»، علماً بأن استيراد الطحين يسدده مصرف لبنان بنسبة 85% وفق سعر الصرف الرسمي، فيما يتكفل التجار بتسديد الـ15% المتبقية وفق سعر السوق، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المازوت. الا أن إبراهيم يلفت الى أن المطاحن رفعت سعر الطن نحو 25 ألف ليرة، سائلاً: «لماذا يحق لهذه المطاحن احتساب غلاء الدولار في حين يمنع ذلك على أصحاب الأفران ».
وزير الاقتصاد راوول نعمة، من جهته، أكّد لـ«الأخبار» أنه أعدّ دراسة جدوى اقتصادية وسيتخذ قراراً وفق النتيجة التي خلص إليها «لا كما يريد أصحاب الأفران»، مطالباً هؤلاء بـ«فواتير تؤكد صحة مزاعمهم برفع سعر الطحين أو المازوت، فهم حتى الساعة لم يقدموا إثباتاً بذلك». المفارقة، بحسب نعمة، أن «النقابة دعت الى الإضراب قبل حضورها الى الاجتماع، وعمدت الى استفزاز الناس ونشر الهلع بينهم، من دون أي سبب». أما في ما خص المازوت وفقدانه من الأسواق، فسيعمد نعمة اليوم الى «اقتراح شرائه مباشرة من وزارة الطاقة، أي بسعر الموزع، وربما ذلك يسهم في حل المشكلة».