كتب طوني أبي نجم في “نداء الوطن”:
غرق العراق في المستنقع الإيراني وتحت سيطرة الحرس الثوري والميليشيات التابعة لطهران منذ سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين. عانت بلاد ما بين النهرين منذ العام 2003 الأمرّين، بدءاً بضرب أسس الدولة فيها والسيطرة على مؤسساتها لتكون تابعة لإيران بشكل كامل، مروراً بنهب مواردها بمئات مليارات الدولارات على مر السنين، وليس انتهاء باللعب على وتر الإرهاب والانقسامات المذهبية، إلى أن كان الرد للشعب العارم بثورة في قلب العراق ضد إيران قادها أبناء الطائفة الشيعية تحديداً، الذين لم يأبهوا بسقوط مئات الشهداء.
في موازاة الثورة الشعبية بدأت ملامح استعادة الدولة في العراق مع وصول مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الحكومة فوضع نصب عينيه خطة واضحة: إخراج إيران وميليشياتها من العراق والعودة إلى الانفتاح والتواصل مع المحيط العربي. لم يتردد في اتخاذ القرارات بحل الميليشيات وجمع السلاح، وإن كان التنفيذ لا يزال في بداياته، وقبل يومين أمر بنزع كل صور السيد علي خامنئي واللواء قاسم سليماني من شوارع بغداد كما بمداهمة مراكز “حزب الله” العراقي وجلب مطلوبين إلى العدالة، وقبلها أرسل وزير ماليته إلى السعودية وقرّر وقف شراء الكهرباء والغاز من إيران.
هكذا يتضح أن خطة قيام الدولة في العراق ترتكز حكماً على إنهاء الوجود الإيراني وسيطرة الحرس الثوري وميليشياته. فلا قيام لدولة في العراق، أو أي دولة عربية حتماً، في ظل السيطرة الإيرانية. هذا لا يعني بالضرورة أن إيران وأتباعها استسلموا في العراق، لكن الثابت أن ثمة من قرّر المواجهة لبناء الدولة من موقع القرار مدعوماً بإرادة شعبية لا لبس فيها.
هل يتّعظ اللبنانيون على كل المستويات من التجربة العراقية؟ وهل يمكن، ولو لمرّة واحدة، أن نسعى الى عرقنة لبنان إنطلاقاً من تجربة مصطفى الكاظمي فنعمل لإعادة بناء الدولة اللبنانية بتحريرها أولاً من الهيمنة الإيرانية، وذلك لن يكون طبعاً عبر استصدار قرارات قضائية مضحكة- مبكية، ولا عبر استدعاء وزير الخارجية حصراً للسفيرة الأميركية بسبب تصريح والتغاضي عن عشرات التصاريح الإيرانية والسورية!
نعم نحن نحتاج في لبنان حكماً لرجل من طينة الكاظمي يباشر بإخضاع “حزب الله” لدستور الدولة اللبنانية وقوانينها، بدءاً بإلزامه الحصول على “علم وخبر” من وزارة الداخلية وسحب سلاحه كما نصّ دستور “الطائف” والقرارات الدولية ذات الصلة وفي طليعتها القراران 1559 و1701 وليس انتهاء بالقبض على جميع المطلوبين من بيئة الحزب بموجب مذكرات قضائية محلية ودولية!
سيسارع البعض ويقول إن ما تقدّم أشبه بحلم وأن لا إمكانية لتنفيذه، لكن المشكلة الأساس تكمن في أن أي رجل دولة في لبنان لم يفكّر حتى بالمحاولة، ولأن الشعب اللبناني استسلم بغالبيته قبل المسؤولين، ربما لأنه يتبع لمسؤولين مستسلمين بأكثريتهم.
نعم نحن بحاجة لرجال دولة من خامة جديدة، يكونون حكماً من خارج الطبقة التقليدية الغارقة في التبعية والفساد والارتهان، لا يهابون الموت والاغتيال والتفجيرات، لأن بناء الدولة في لبنان يستحق المجازفة. ومن دون اتباع خطة الكاظمي في لبنان كما فعل في العراق سنتجه حكماً نحو الأسوأ ولن ينجو أحد من التبعات الكارثية. فإما إنقاذ لبنان من التبعية لإيران والتحرّر من هيمنة “حزب الله” والعودة إلى الحضن العربي والشرعية الدولية وإما سيناريو غزة وربما أسوأ بكثير…