كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
تؤكد وزيرة العدل ماري كلود نجم مبدأ استقلالية القضاء المضطرة الى احترامها، لذا لا يمكنها كوزيرة للعدل أن تدخل في تقييم لمضمون أي قرار قضائي يصدر، في الوقت نفسه تؤكد حرية الإعلام والتعبير كنقطتين مهمتين بالنسبة إليها. أما فكرة عدم صدور بيان من قبلها تعليقاً على القرار القضائي بشأن السفيرة الأميركية، فمرده الى اعتبارها ان دور وزير العدل ليس الدخول في سجالات إعلامية حول مضمون القرارات القضائية، بل ان دوره إتخاذ أي إجراء مناسب أو أي موقف مناسب وفقاً للقانون وهذا ما ستفعله ابتداء من اليوم بعد صدور القرار. هو ملف سجالي إضافي سيحتل حيزاً من اهتمام وزيرة العدل التي ستجد نفسها معنية في الحفاظ على هيبة قضاء صارت على المحك لكثرة المتطاولين عليها. منذ تسلمها مهامها، تدرك نجم أنها تخوض تحدّياً للنجاح في معالجة الملفات الملقاة على عاتقها، لعلّ تحقيقها أي إنجاز يخفّف من التأثير السلبي الذي خلّفه ملف التشكيلات القضائية على مسيرة عملها الوزارية. تحاول نجم طي الصفحة وتجاوزها، لكن مضبطة الإتهام المستمرة بحقها تلزمها التوضيح مراراً وتكراراً انها لم تكن سبباً في تأخير التشكيلات. جريمتها، حسب رأيها، أنها مارست صلاحياتها القانونية بوضع ملاحظات على ملف من 100 صفحة، تجاوز فيه مجلس القضاء الأعلى المعايير التي وضعها بنفسه لعمله.
عدم اعتراف المجلس بصلاحياتها أحبطها، فكانت المرة الأولى التي تفكر فيها في الاستقالة، وفق ما تكشف في جلسة نظمتها مع عدد من الإعلاميين أول من امس. أما المرة الثانية التي فكرت فيها بالاستقالة فحصلت يوم تجاوزها مجلس الوزراء بطرح تعيين قضاة في مناصب إدارية “وزير العدل ليس خيال صحراء، يلومونني ليه ما بتواجهي او بتستقيلي، وكان بإمكاني أن أعمل بطلة باستقالتي”، ولأنها مقتنعة بأن المواجهة أجدى تراجعت عن الفكرة وعزاؤها انها سجلت اعتراضها في جلسة مجلس الوزراء، وهي تعرف أن “التعيينات المالية والإدارية لا تلبي طموحات اللبنانيين”.
معركة نجم الراهنة هي في ممارسة صلاحياتها بملء المراكز الشاغرة في التفتيش القضائي: “لن أعيّن إلا على أساس مبدأ الكفاءة والمقابلات التي نجريها مع المرشحين لو مين ما اتصل فيي”. ماذا لو فشلت هل تلجأ الى الاستقالة فتكون الثالثة ثابتة؟ تؤكد نجم أنها صرفت النظر عن هذا الأمر حالياً، لانها مؤتمنة على المسؤولية التي ارتضت أن تتحملها ولكن هذا لا يعني “أن هذه الخطوة لا تبقى واردة”، خصوصاً أن المقربين منها ينصحونها بفعلها.
تذكر نجم أن أول سؤال طرحته يوم تسلمت مهامها على رأس الوزارة كان: “ما هي صلاحياتي؟”، وهي اذ تطلب صلاحيات استثنائية “ففي أمور محددة وملحة تحتاجها الحكومة لتحقيق إصلاحات او البت في ملفات على وجه السرعة كعدد من القوانين تلزمها صفة العجلة، لكن رئيس الحكومة قال ان النواب لن يرضوا بالفكرة”.
عدد من هؤلاء النواب، أعضاء في لجنة الادارة والعدل النيابية التي حضرت ما يقارب ثلاثين جلسة من جلساتها لغاية اليوم. تروي أنها تدخل الجلسة فتبدأ اتهامات النواب بحق الوزارة وتنهال عليها الملاحظات ليكون جزء من عملها الدفاع عن أدائها أمامهم “وعند اول استراحة لا يتردد بعض النواب في طلب دعم من هذا القاضي أو في هذا الملف!”. مكافحة تبدأ وفق ما تقول نجم: “عندما تتوقف مونة القاضي الكبير على القاضي الصغير وعندما ينال القضاة المغمورون فرصتهم. الخطوات الاولى يجب أن تبدأ من النيابات العامة التي لا ترضى الناس عن أدائها، ويجب أن تتغير”.
وكما هي حالها أمام لجنة الإدارة والعدل، كانت نجم في جلسة “المصارحة” التي دعت إليها الإعلاميين، خصوصاً بعدما بادرتهم بالسؤال: كيف تقيمون عملي وصورتي في الاعلام؟ لتأتي الإجابات سلبية مستندة إلى الإخفاق في ملف التشكيلات القضائية، واحتسابها سريعاً على جهة سياسية معينة، وعدم كشف اي ملف من ملفات الفساد ومحاسبة الفاسدين.
تأسف نجم لأن ملف التشكيلات القضائية جمّد وتم ترحيله الى ما بعد العطلة القضائية بعد الملاحظات التي وضعها رئيس الجمهورية عليه، والتي علمت بها من خلال وسائل الاعلام. لكنها تقول إنها ليست وصية على رئيس الجمهورية الذي لم تكن تربطها معرفة سابقة به، ولا برئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، نافية أن تكون عيّنت وزيرة لقربها منهما. تروي نجم حكاية تعيينها فتقول: “كنت في فرنسا مع زوجي الذي يعيش هناك، عندما اتصل بي السيد بلال قعفراني وأبلغني رغبة رئيس الحكومة حسان دياب الاجتماع بي، وحين تعذّرت عودتي بشكل فوري أجريت معه مقابلة عبر برنامج skype، وعرض عليّ تولي حقيبة البيئة والتنمية الإدارية، فقلت له إني لن أتمكن من تقديم أي جديد في هاتين الوزارتين اللتين لا تدخلان ضمن اختصاصي. وعندما عدت الى لبنان، طلب باسيل من ابن عمي الذي هو على معرفة جيدة به، إن كان بالإمكان التعرف عليّ، فقابلته للمرة الاولى، وفي اليوم التالي زرت رئيس الجمهورية ميشال عون وتعرفت اليه، وبعد بحث وتدقيق علمت ان اسمي ورد في لائحة اسماء الوزراء التي رفعها رئيس جامعة القديس يوسف – اليسوعية، قبل ثورة 17 تشرين”.
ما تحاول قوله نجم هنا انها مستقلة ولا تتبع أي وزير أو حزب سياسي. وهي وإن لم تكن قادرة على القول إنها تمثل الثورة التي كانت محاضرة في احدى خيمها، لأن وجودها كمسؤول في الحكومة لا يعطيها الحق بذلك، إلا إنها تؤكد عدم موافقتها على توقيف أي مواطن على خلفية اطلاق الشتائم، وتقول إنها قصدت بعبدا كي تقول للرئيس: “أتفهم عدم تقبلك للشتائم وأنت في هذا المركز، لكن الفلتان في وسائل التواصل الإجتماعي يلف العالم، وسأعطيك مثالاً عن الرئيس دونالد ترامب وما يتعرض له، إضافة الى أن الناس تنتظر منا الكثير، وبالتالي لا يجب أن تتحول الأنظار الى التوقيفات والشتائم”، متمنية أن يكون الرئيس قد اخذ برأيها لرفضها مبدأ تقييد الحريات.
تكشف الوزيرة التي أبعدت فكرة الاستقالة من خططها حالياً، أنها اتخذت قراراً بالمواجهة، وأنها ستخالف قرار سرية الجلسات الحكومية طالما أن ما ينقل عنها من مداخلات تجري في مجلس الوزراء ليس دقيقاً “كما سبق وحصل في موضوع حاكم مصرف لبنان الذي لم يكن موجهاً ضد الحاكم بشخصه، فالحاكم مسؤول والمسؤولية ليست إدانة”.
وتعترف نجم بأن الحلول لموضوع سعر صرف الدولار موقتة لا تفي بالغرض آملة “ان تتمكن المنصة الإلكترونية من تخفيف احتقان السوق”. وتعتبر أن الثورة على الملفات الحياتية يمكن أن تبدأ من داخل الحكومة، لأن الناس تعبت ومع ذلك تسأل رداً على سؤال عن احتمال استقالة الحكومة او اسقاطها في الشارع “ما البديل اذا سقطت الحكومة وهل سيتوقف ارتفاع سعر صرف الدولار؟”. لتختم: الكثير من الوزراء يريدون الذهاب بعيداً في عملهم لكن القرار غير موجود.