كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
عاد الرئيس ميشال سليمان بقوة الى الساحة السياسية بعد فترة إستراحة، ليطل من بعبدا والديمان طارحاً مشاريع حلول لوطن أدخله فريق داخلي بلعبة المحاور. حتى أشدّ الخصوم في السياسة يترحمون على عهد سليمان بعد المجاعة التي بدأت تلوح في الأفق في عهد الرئيس ميشال عون، وفي نظر كثر أنه في السنوات الثلاثين الماضية، أي بعد توقيع إتفاق “الطائف”، فإن عهد سليمان هو الأكثر إستقراراً حيث وصل النمو إلى عتبة العشرة في المئة وكان البحث جدياً في الإستراتيجية الدفاعية وقد أقر “إعلان بعبدا” الذي يحيّد لبنان عن صراعات المنطقة، وتأسست مجموعة الدعم الدولية للبنان، في حين أن عهد الرئيس الياس الهراوي شهد على بداية وضع اليد السورية على لبنان، وتجسّد الإحتلال الفعلي في عهد الرئيس إميل لحّود، بينما يشهد العهد الحالي النكبات المتتالية.
وقد تمايز سليمان في لقاء بعبدا الأخير بأنه كان الصوت المعارض لكل السياسات المتبعة ووضع الإصبع على الجرح في ما خصّ التصويب على المشكلة الأساسية وهي خروج “حزب الله” عن منطق الدولة، كما نادى بحلّ أزمة لبنان بتحييده والعودة إلى الدستور لا الدخول في سياسة المحاور التي تسبب تجويع الشعب وإنهيار إقتصاده.
وقدّ تابع سليمان حراكه السياسي بعد لقاء بعبدا، إذ زار البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي السبت لوضعه في أجواء ما حصل، لكن اللافت كان طرحه فكرة أمام الراعي وهي تأليف لقاء أو جبهة فكرية لتكون الذراع لمشروع حياد لبنان.
وفي التفاصيل، فإن الراعي خلال اللقاء أثنى على كلمة سليمان التي تابعها في بعبدا ومطالبته بقيام الدولة الفعلية وتحييد البلاد خصوصاً انها تلتقي مع مطالب البطريرك، فأكد سليمان له أن كلامه يأتي إستكمالاً لما يردده في عظاته وخصوصاً العظة الأخيرة التي سبقت لقاء بعبدا.
وفي سياق جلسة الديمان، قال سليمان للراعي أن مشروع تحييد لبنان هو الحلّ لكن هذا الأمر يحتاج إلى ذراع لتنفيذه، “لذا أقترح عليك تأليف مجموعة لست أنا ضمنها لأنها يجب أن تتألف من المستقلين، تضم النخب من أجل وضع أسس لمشروع حياد لبنان، وهذه المجموعة الفكرية تختارها أنت لا نحن ولا السياسيين لتحظى بغطاء البطريركية المارونية وتبدأ دراساتها لتقدّم أفكاراً نموذجية تهدف إلى حماية لبنان من صراعات الدول والمحاور”.
ورحّب الراعي بهذا الطرح واعتبره أنه يتناسب مع ظروف المرحلة خصوصاً أن هؤلاء المفكرين حياديون وغير تابعين لجهات سياسية، وتمّ الإتفاق على متابعة اللقاءات بين الرجلين لتحويل هذه الفكرة إلى أمر واقع. ومن وجهة نظر سليمان أن الوضع في البلاد لم يعد يحتمل المماطلة ويجب المباشرة بحلول جريئة، والحلّ جزء منه إقتصادي والجزء الأهم هو عدم إدخال البلد الصغير في صراعات المنطقة، لذا يُتوقّع أن يكثّف سليمان لقاءاته ومشاوراته في المرحلة المقبلة لإعادة إحياء “إعلان بعبدا” الذي خرقه “حزب الله” بإعلانه المشاركة في الحرب السورية علناً، وتدخله في شؤون اليمن والعراق والبحرين ومعظم الدول التي فيها إمتداد إيراني. وأمام كل ما يحصل فإن البطريركية المارونية غير راضية عن أداء العهد والحكومة، وقد عبّر الراعي في عظته أمس عن أن لقاء بعبدا قد زاد الإنقسام، في حين أن الخوف الأساسي لبكركي ينبع من إدخال لبنان في لعبة الأمم واستخدامه كورقة في يدّ المحاور المتنازعة، في حين أن وضعه صعب جداً وينحدر نحو الأسوأ يوماً بعد يوم وسط غياب الحلول الجدية واستمرار خطف القرار الوطني، وبالتالي قد تنهار الدولة على أبواب المئوية الأولى لولادة لبنان الكبير.