الأحد 30 حزيران 2019، قرابة الخامسة عصرا. يستكمل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل جولته الشعبية في منطقة الشوف- عاليه، المعقل الجنبلاطي الأول والأهم، في ظل علاقات متوترة مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، صاحب المواقف الحادة من عهد كان وصفه عبر تويتر بـ “الفاشل”. على أن هذا التوتر لم يمنع باسيل من القفز فوق ما قد تصح تسميتها “حال التأهب والاستنفار” في أوساط الاشتراكيين الممتعضين من زيارة باسيل، الذي كان أطلق سهاما في اتجاه مصالحة الجبل التاريخية في مراحل سابقة، إلى منطقة قبرشمون البساتين في عاليه.
غير أن هذا القفز فوق ما يعرف بـ “خصوصية الجبل” ذي التركيبة السياسية الهشة، أغرق البلاد في محظور أمني خطير. ذلك أن إطلاق نار سجل في بلدة قبرشمون، في خلال اشتباكات بين عناصر من الحزب الاشتراكي وآخرين من الحزب الديموقراطي اللبناني، أودى بحياة إثنين من مرافقي الوزير السابق صالح الغريب، ممثل إرسلان في حكومة الرئيس سعد الحريري الثالثة، ما دفعه إلى اعتبار الحادثة محاولة اغتيال تستهدفه. فما كان من إرسلان إلا أن سانده بطبيعة الحال. غير أنه، وبدعم واضح من حزب الله، رفع السقف إلى حد المطالبة بإحالة الملف إلى المجلس العدلي، ليُفتح بذلك فصل جديد من الكباش بين 8 آذار والزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط، حامل لواء ما يسميه مراقبون عبر “المركزية” الخطاب السيادي في مواجهة تمدد نفوذ حزب الله في لبنان. بدليل أن حادثة قبرشمون أتت بعد 6 شهور على مواجهات الجاهلية (كانون الأول 2018) بين الاشتراكيين وعناصر حزب التوحيد الذي يتزعمه الوزير السابق وئام وهاب .
وما بين الحادثتين، استمر الكباش ذي الطابع السياسي التويتري بين الفريقين، إلى أن دفع الرئيس سعد الحريري الثمن من حكومته تعطيلا وشللا، لم يكونا إلا دلالة قوية إلى اهتزاز التسوية الرئاسية المبرمة مع التيار الوطني الحر منذ ما قبل ثورة 17 تشرين. ذلك أن ملف قبرشمون شكل فرصة لباسيل ليرفع ورقة الثلث المعطل في وجه الحريري، لمنع عقد جلسة حكومية في 2 تموز، قبل أن يضرب الشلل الحكومة حتى إنجاز المصالحة الدرزية- الدرزية في 9 آب، أي بعد 40 يوما على إطلاق النار في قبرشمون.
عام كامل مر على هذه الانعطافة الأمنية الخطيرة التي كادت تقود لبنان إلى ما لا تحمد عقباه، لولا اقتناص جنبلاط ما اعتبرها اللحظة السياسية المناسبة لأجراء مصالحة، وإن شكلية، مع خصمه الارسلاني الأول، وإرساء هدنة مع العهد والرئيس ميشال عون. غير أن الأهم يكمن في أن هذه الأجواء الايجابية لم تصمد طويلا، مع عودة كل من الأطراف المعنية بالسجال إلى نصب المتاريس السياسية، نظرا إلى تموضعاتهم المتناقضة تماما على الساحة المحلية. لكن هذا لا ينفي أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، مبتكر مخارج اللحظات الحرجة، نجح في إرساء مصالحة درزية-درزية قبل نحو أسبوعين في عين التنية، أتت بعد لقاء نادر جمع جنبلاط برئيس الجمهورية في قصر بعبدا، لا لشيء إلا لإبعاد الجبل عن التوترات السياسية والطائفية.
وفي السياق، لفتت مصادر مراقبة عبر “المركزية” إلى أن العام الأول على حادثة البساتين أثبت أن جنبلاط استخلص الدروس والعبر السياسية من هذه النكسة، فبادر إلى التقاط الاشارات المناسبة لحماية لبنان والجبل في زمن التحولات الكبيرة على المستوى الاقليمي، خصوصا في سوريا، حيث الصراع الأميركي -الايراني دائر على أشده ولن يوفر بشظاياه الجار اللبناني القريب. بدليل أن المختارة حرصت على الحفاظ على شعرة معاوية مع بعبدا، فلم تغب عن حوار بعبدا الأخير، ولم “تطلب شيئا” في التعيينات، على حد قول جنبلاط نفسه، تفاديا للمواجهة مع إرسلان، الذي اتفق وإياه على تقاسم المواقع الدرزية في الهرمية الرسمية. والأنظار تتجه في هذا السياق إلى الكباش حول الأوقاف الدرزية ومشيخة العقل، التي من المفترض أن تدور في فلك جنبلاط، في موازاة الكلام الدائر في الكواليس عن سعي من الوزير السابق صالح الغريب إلى تعيين أحد المقربين إليه في المديرية العامة لوزارة الصحة، خلفا لوليد عمار، الذي كان يحظى ببركة جنبلاطية في منصبه.