استغرب الرئيس فؤاد السنيورة في حوار أجرته معه محطة “أل. بي. سي”، القرار القضائي بحق سفيرة الولايات المتحدة الاميركية، وقال: “لدي عدد من الملاحظات بشأن دوافعه ومدلولاته وما يهدف إلى تحقيقه عبر التعمية والتغطية لحرف انتباه اللبنانيين عن مشكلاتهم الحقيقية، وما ينبغي على العهد والحكومة القيام به لمعالجة تلك المشكلات. فجأة سمعنا أن المواطنة فاتن علي قصير ترسل رسالة بالـE-mail للقاضي محمد مازح، وهو قاضي الأمور المستعجلة في صور، الذي بدوره يبادر وفورا، وبسابقة لها تداعياتها الخطيرة في الشكل والمضمون، إلى إصدار قرار بمنع السفيرة الأميركية من الحديث والكلام عبر جميع وسائل التواصل المرئية والمسموعة والمكتوبة اللبنانية والأجنبية العاملة في لبنان، وتغريم أي من تلك الوسائل بغرامة نقدية قدرها مائتي ألف دولار إن هي أقدمت على ذلك”.
أضاف: “المسألة الثانية، وهي تتعلق بما يستهدفه هذا القرار من محاولات لحرف الانتباه عما يعانيه اللبنانيون من مشكلات مالية ونقدية ومعيشية وحاجتهم الماسة في هذا الوقت بالذات الى التركيز على هذه المشكلات لإيجاد الحلول الصحيحة لها. المأساة في ذلك أن هذا القاضي تقصد تفجير مشكلات جديدة تمس علاقات لبنان الدبلوماسية في الوقت الذي يفترض بلبنان أن ينشغل ويركز على السعي، ولو نظريا، إلى إطفاء الحرائق المشتعلة في أكثر من مكان واتجاه”.
وتابع: “استطاع هذا القاضي أن يتسبب بمشكلة جديدة تأتي لتشوه ما تبقى من سمعة للقضاء وللعلاقات الدبلوماسية وكذلك من سمعة الاعلام، وتطرح مسألة التعدي على الحريات في لبنان. كل ذلك من اجل حرف الانتباه والتعمية على المشكلات الحقيقية التي يعاني منها لبنان، وأن يستمر اللبنانيون مشغولين بأمور جانبية تمنعهم من التفتيش والعثور عن الحلول الصحيحة التي تعالج المشكلات من أساسها”.
وأردف: “هناك من يختلق مشكلات جديدة بينما لبنان واللبنانيون في أمس الحاجة إلى تصويب انتباههم وجهودهم نحو معالجة المصائب والويلات الأساسية. ومع الاستمرار في حرف اهتماماتهم، فإنهم في المحصلة، لا يصلون ولن يصلوا إلى إقرار المعالجات والحلول الصحيحة، لأن المسؤولين في الحكومة ومعهم حزب الله وحلفاؤه ومن يلوذون به، ما زالوا يراوغون ويرفضون ويستعصون عن القيام بالإصلاحات المالية والاقتصادية والقطاعية والنقدية التي طال انتظارها. مع أن تلك الإصلاحات هي التي يطالب بها اللبنانيون، والتي لطالما ذكرنا أشقاؤنا وأصدقاؤنا في العالم بأنها الطريق التي تأخذ لبنان واللبنانيين نحو معالجة مشكلاتهم بشكل صحيح. وبسبب هذا الاستعصاء المستمر والعناد، فقد ضاق اللبنانيون ذرعا بذلك، كما ضاق الاشقاء العرب والأصدقاء في العالم ذرعا بالمسؤولين اللبنانيين وبتلكؤهم. وهذا ما يدفع أولئك الأصدقاء للتعبير عن هذا الضيق تلميحا وتصريحا، وللأسف، ما من مستجيب”.
وقال الرئيس السنيورة: “بسبب القصور والتقصير الفادح للمسؤولين عن معالجة مشكلاتهم بدأنا نسمع كلاما قاسيا يشعر بنتيجته اللبنانيون بالأسى لسماعه، وان كانوا يدركون أهميته وضرورته. ها قد مضى علينا سنوات وسنوات والمسؤولون يعاندون ويستكبرون ويستعصون عن القيام بالإصلاحات. والأدهى، أنهم يحاولون حرف الانتباه والتفتيش عن كبش محرقة. ساعة يلقون التهم باتجاه حاكم مصرف لبنان، وساعة يحملون المشكلة للصرافين. وهذه الاتهامات كلها أقرب ما تكون إلى مظهر من مظاهر المشكلات التي يعاني منها اللبنانيون، والمشكلة الأساس تكمن في جوهرها بالانهيار الكامل بالثقة لدى اللبنانيين بالحكومة وبالعهد وبكل السياسيين. أنا أميل إلى الظن بأن حزب الله، وبعد ترحيب ممن يلوذون به بقرار القاضي مازح، هو الذي حرض تلك السيدة على تقديم تلك الشكوى، وحرض القاضي على اتخاذ هذا القرار”.
وأكد أن هناك “إنفاقا لم يكن مبررا، وفي الجانب الآخر من كان يحول دون تمكين الدولة من ضبط إيراداتها وضبط مرافقها، ودون إقدارها على ضبط المعابر والحدود، ويحول دون اقفال معابر التهريب، وأن هذا الهدر والتفريط ما زال يستعصي ضبطه حتى الآن، وفي ذلك، يلعب حزب الله دورا لا يستهان به”.
وقال: “سمعنا تعليقا غريبا البارحة من معالي وزير الخارجية السوري وليد المعلم يتحدث عن مسألة الحدود بين البلدين، والتي يفترض أننا قد وصلنا الى توافق بشأنها من أجل ترسيم الحدود. وفي هذا الصدد، صدر القرار الدولي رقم 1680 تاريخ 17/05/2006، والداعي من ضمن ما يدعو إليه، من أمور تخص التأكيد على سيادة لبنان، الاستجابة لطلب لبنان لترسيم الحدود المشتركة بين لبنان وسوريا. وإذ بنا نفاجأ بما سمعناه من معاليه بعدم الموافقة على تحديد حدود لبنان مع سوريا. لقد أصبح لزاما على لبنان أن ينتهي من هذا الأمر لا سيما وان هناك تهريبا يجري عبر الحدود اللبنانية السورية لا يمكن السكوت عليه. وهذا الامر يجب ضبطه ووقفه، خصوصا في هذا الظرف الذي يمر به لبنان”.
أضاف: “هناك مشكلات كبيرة ومستفحلة يعاني منها لبنان، وهي غير قابلة للاستمرار. فحالنا اليوم أشبه بحال المريض الذي تكاثرت عليه مجموعة من الامراض وأصبح لديه ما يسمى بالاشتراكات، وكي تتم معالجة هذا الوضع الخطير، الواجب يقضي بالمسؤولين التوجه نحو وضع لبنان في الاتجاه الذي يمكنه من البدء باستعادة اللبنانيين الثقة بالدولة والثقة بها من قبل الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم. هذا يعني أن هناك مجموعة من الادوية على لبنان واللبنانيين أن يتناولوها، وعليهم أيضا أن يداوموا عليها حتى يبرأوا من هذه الأمراض المالية والاقتصادية التي يعانون منها. وهذه هي الادوية: الأدوية المالية، والادوية النقدية، والادوية القطاعية، والأدوية الإدارية. ولكل واحدة من هذه الأدوية هناك مجموعة من الإجراءات التي من المفروض أن يعتمدها لبنان لكي يسلك الطريق الطويل المؤدي إلى استعادة عافيته. للأسف، جميع هذه الادوية من ضمن ضميمة واحدة قد أصبحت غير كافية. فالذي كان بالإمكان معالجته قبل سنوات باستعمال بعض المراهم أصحبت هذه المراهم الآن غير كافية ولا تجدي استعمالها لوحدها”.
وأكد أن “التشكيلات القضائية يجب أن تتم اليوم، حتى يصار إلى إرسال رسالة واضحة الى اللبنانيين والى المجتمعين العربي والدولي بأن لبنان بلد يحترم نفسه وقوانينه واستقلالية القضاء”.
وقال: “يجب ان تنفذ الحكومة القرارات الإصلاحية الصحيحة بشأن موضوع الكهرباء. فلم يبق أحد في لبنان ولا لدى الأشقاء العرب وأصدقاء لبنان في العالم، إلا ونصح اللبنانيين والحكومة بضرورة معالجة مشكلة الكهرباء والمسارعة إلى تطبيق قانون الكهرباء. للأسف، لم تكن هناك من استجابة لذلك على مدى العديد من السنوات الماضية وما زال الاستعصاء قائما حتى الآن. المؤسف أنه وقبل أسبوعين، تجرأت الحكومة وأخذت قرارا بموضوع معمل كهرباء سلعاتا الذي أصبح عمليا غير قابل للتنفيذ، وذلك بصرف النظر عن إنشاء هذا المعمل.”
وتابع: “لقد سمع اللبنانيون كثيرا عن التزام الحكومة في جميع البيانات الوزارية، بسياسة النأي بالنفس. للأسف، لم يجد اللبنانيون أن الحكومة التزمت بتلك السياسة خلال السنوات العشر الماضية. لقد فجع الأشقاء والأصدقاء بأن الحكومة لا تحترم بيانها الوزاري في مسألة النأي بالنفس، وتزايدت فجيعتهم بكونها تمارس عكس ذلك. ويبدو ذلك واضحا من خلال تورط حزب الله ومعه يتفاقم تورط الدولة في التدخلات الحاصلة في سوريا وفي أكثر من بلد عربي. لم تقتصر المشكلة على تلك التدخلات، انما تعدتها بحيث أصبحت الحكومة، وفي طريقة أدائها، تؤدي وتتسبب بإحداث وتفاقم الخلل في التوازنات الداخلية والخارجية ولا سيما في ما خص العلاقات مع الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم”.
وأردف: “كم يكون مفيدا لو أن فخامة رئيس الجمهورية يبدي استعداده للدعوة إلى لقاء وطني يبحث في الاستراتيجية الدفاعية بشكل جدي يوصل إلى استعادة الثقة بالدولة وبهيبتها وسلطتها، فإذا حصل ذلك نرى مدى الانعكاس الإيجابي لجهة التقدم الصحيح على مسار استعادة الثقة لدى اللبنانيين والأشقاء والأصدقاء”.
وعن وصف السفيرة الأميركية “حزب الله” بالإرهابي، قال: “هذه الأحوال هي التي دفعت السفيرة الأميركية إلى أن تقول ما قالته عن لبنان، فربما قالت ما قالته بطريقة فجة، ينبغي معالجة المسألة من قبل وزير الخارجية مع السفيرة مباشرة وان يتوصلا معا إلى معالجة الأمر واطفائه وعدم تأجيجه. ولكن ألا يجب ان نتساءل كذلك عما قالته رئيسة الصندوق النقد الدولي كريستينا جورجينا بأنها لا تجد أي مؤشر يدفعها إلى التأمل بأن هناك تغييرا يلوح في الأفق أو قد يحصل في لبنان، وان قلبها ينفطر على لبنان؟ ما كان أغنى فؤاد هذه المسؤولة أن تقول مثل هذا الكلام لولا استمرار الاستعصاء عن القيام بالإصلاحات المطلوبة في لبنان. لا أريد أن أعود إلى السنوات الماضية، وليس في ذلك تقليلا من مسؤوليات أولئك المسؤولين في السلطتين التنفيذية والتشريعية عما جرى، ولكن التركيز على هذه الفترة القصيرة الماضية، فلبنان منذ الانتفاضة في 17 أكتوبر، ما زال يحجم عن القيام بأي عمل يؤدي إلى المباشرة بتنفيذ أي من هذه الإصلاحات التي طال انتظارها”.
وقال: “ما قالته السفيرة يجب أن يتولاه وزير الخارجية ويجب طيه سريعا. ولا يجوز لنا أن نخوض فيه بالطالع وبالنازل، ولا أرى مصلحة للبنان في ان يستمر الضجيج حول هذه المسألة. إن أداء الحكومة السيىء وتلكؤها وعدم قيام فخامة الرئيس ورئيس الحكومة بالمعالجات المطلوبة أصبح يجرىء الآخرين والعالم على لبنان. هذا الاستعصاء على الإصلاح لا يجوز أن يستمر. يكفي هذا الإذلال للبنانيين ولكراماتهم وللقمة عيشهم. أنا استغرب أنه وحتى الآن، ما زال هناك تلكؤا واستعصاء وصما للآذان عما يجري. وأتساءل كيف يتمكن هؤلاء المسؤولين من النوم في الليل؟ ألا يرون بأعينهم حال القلق والهم التي يعيشها اللبنانيون منذ أشهر؟ ما هو مدى الغضب والتوتر الذي يساورهم؟”.
وختم: “ليت المسؤولين قادرون أو راغبون في التبصر والرأفة بحال لبنان واللبنانيين. ليتهم راغبون في معالجة المشكلات المحيطة بنا من كل جانب. ليتهم يسارعون إلى اتخاذ القرارات الضرورية. فهل تكون لديهم الشجاعة للبدء بالمعالجات الصحيحة؟”.