كتبت جنى جبّور في “نداء الوطن”:
ينتظر الشباب اللبناني فتح ابواب المطار الشهر المقبل، لـ”الهجّ” من وطنهم، بعدما ضاقت بهم سبل الحياة في بلد دمّره ونهبه وأفلسه حكامه، طمعاً بحنان الدول الغريبة وتأمينها لهم ادنى متطلبات الحياة. ولكن مهلاً، نسأل الشباب “لوين رايحين”، ونتأسف باعلامكم أنكم لستم ضمن أولويات دول العالم التي تعاني اقتصادياً جرّاء أزمة كورونا.
تتكرر على مسمعنا بين اليوم والآخر، لا بل بين الثانية والاخرى، قصص مأساوية عن شباب ينوون الهجرة الى الخارج بحثاً عن تأمين مستقبلهم ولقمة عيشهم. فنشعر وكأنّ لبنان امام هجرة لم يشهدها في تاريخه، ولا سيما بعدما عمدت الإدارات إلى تخفيض رواتب موظفيها، وطرد عدد كبير منهم، عدا عن ارتفاع سعر صرف الدولار، والوضع الامني المتفلت بين الحين والآخر.
فالشابة رانيا قررت الهروب من بلد الأرز، وتقدمت بطلب للهجرة الى كندا، قبل جائحة كورونا، وهي تنتظر استكمال ملفها لتحقيق حلمها. رانيا تعتبر انّ “لا مستقبل لها في بلدها، واليأس تغلب على كل فسحة أمل، ولا سيما بعد طرد زوجها من العمل، وانخفاض قيمة راتبها نتيجة سعر صرف الدولار، وارتفاع اسعار السلع، ووجوب تسديدها دفعة شهرية للاسكان بقيمة مليون و400 الف ليرة”، وسألت “كيف يمكن أن أستمر وانجب ولداً في اوضاع كهذه؟”. أمّا فاتن فهي ممرضة ذاقت مرارة كأس الكورونا من دون أي مردود مالي، منذ اكثر من 6 اشهر. هي تلقت عرضاً مغرياً الى السعودية بقيمة 3000$، وتفكر جدّياً بترك حياتها في لبنان، لعلها تجمع بعضاً من المال ما يخولها مساعدة أهلها العاطلين عن العمل أيضاً. الأجواء نفسها تدور في تفكير يارا التي تحلم بوضع رجلها في أول طائرة متجهة الى كندا أيضاً، حيث تنتظرها أختها التي وعدتها بحياة أفضل بكثير من لبنان.
تقول يارا “لدي تأشيرة سياحية الى كندا، وسأستعملها لمغادرة بلدي، والدخول الى كندا ومن بعدها سأتقدم بأوراقي للبقاء والعمل هناك”. وفي حين، يفكر اللبنانيون بالهجرة، يبدو أنّ لبنان أمام هجرة معاكسة ولا سيما من دول الخليج التي تعاني ايضاً من تردي اوضاعها الاقتصادية نتيجة الكورونا. وقد يكون انطوني مثالاً من سلسلة تطول ولا تنتهي، فهذا الشاب، توقف عن العمل كمدير احد فنادق الكويت منذ 6 أشهر من دون اي مردود مالي، ولا فائدة من بقائه حالياً هناك، بانتظار أن يفتح المطار أبوابه ليعود أدراجه الى وطنه”.
أرقام صادمة للهجرة
لا اعداد أو ارقام أو احصاءات رسمية عن عدد الراغبين بالهجرة، ولكن يبدي رئيس مؤسسة “لابورا” التي تعنى بتأمين فرص عمل للشباب المسيحيّين، الاب طوني خضرا، مخاوفه من خطر الهجرة اللبنانية ككل، المسيحيّون منهم والمسلمون، ويشير الى انهم كمؤسسة نظموا مع وكالة التنمية الاميركية في ايلول الماضي، دورة مهارات على وظائف مطلوبة. ويقول: “تفاجأنا، عندما اتصلنا بالاشخاص المسجلين فيها منذ حوالى الشهر والنصف، برفضهم الحضور الى الدورات، مبدين رغبتهم بالهجرة. على الاثر، أجرينا احصاءً شمل 500 شاب وفتاة، لمعرفة مدى رغبتهم بالهجرة، فأتى الجواب صادماً بعد نتيجة اظهرت شغف 69 في المئة منهم بالهجرة فور فتح المطار”.
معاً لايجاد الحلول…
الوضع في لبنان صعب وصعب جدّاً، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، بل من ناحية الامن والاستقرار والتعليم والطبابة، وانعدام الثقة بالدولة، والخوف من المستقبل، وهذه الحالة تشمل شباب كل الطوائف. يقول خضرا: “نحن مجموعة جمعيات همنا الاساسي توحيد رؤية مسيحية حول استراتيجية بناء لبنان المتنوع، وللاسف كنّا دائماً نصطدم بالانقسامات المسيحية، وغياب الاستراتيجيات الاساسية التي تطغى عليها صناديق المساعدات. فالوضع الذي نعيشه ليس وليد الساعة، بل نتيجة حروب وانقسامات عدّة. من هنا ندق ناقوس الخطر، خصوصاً أنّ هذه المرحلة الاخطر في تاريخ لبنان الحديث، وهذا ما يدعو الى إتخاذ خطوات إستثنائية وعاجلة، وعلينا ان ننسى كل مشاكلنا وخلافاتنا الداخلية، ونكون الى جانب هذا الجيل الشاب الذي فقد كل رجاء بلبنان وبالحكومة وبالمرجعيات”. ووجه خضرا رسالة الى الشباب قائلاً “بالرغم من كل شيء، يبقى الوطن اغلى من العمل والطبابة والتعليم، وعلينا المحافظة عليه. والى الجيل الجديد على من ستتركون بلدكم، على من سرقها ونهبها؟ انتم مستقبل لبنان وحماة الدار، ابقوا في وطنكم ولنبحث سوياً عن الحلول لبناء الوطن”.
طلبات التأشيرات التي تقدم بها اللبنانيون في سفارات دول العالم لا تعدّ ولا تحصى، فهي الامل الوحيد للبعض للخروج من وطن خيب آمالهم ودمر احلامهم، بحثاً عن فسحة امل في طريق مجهول. ولكن ما مدى ملاءمة الوضع اليوم للهجرة، خصوصاً مع التداعيات التي سببها فيروس كورونا في العالم أجمع. وما وضع كندا، الأكثر طلباً للهجرة الى أراضيها من قبل اللبنانيين؟ مصادر مختصة في شؤون الهجرة في كندا توضح في حديث خاص لـ”نداء الوطن” أنّ “البلاد بحالة فوضى حالياً، ولا سيما أنّ حدودنا ما زالت مقفلة مع أميركا التي تواجه موجة ثانية من الكورونا. كذلك، ان فرص العمل تضاءلت بنسبة تعتبر الاعلى منذ سنوات في بلدنا، بالاضافة الى اغلاق الكثير من الاعمال والشركات. وتأمل الحكومة الكندية بالنهوض مجدداً باقتصادها وتخطي كل المصاعب بعد التخلص من هذا الوباء”.
كندا: مسار الهجرة بطيء جدّاً
تراقب كندا عن كثب وضع لبنان، وتردي حالته الاقتصادية وصعوبة المعيشة فيه، ولكن ذلك لا يمنح للبنانيين اي فرصة استثنائية للهجرة، والطريقة المعتمدة ما زالت نفسها، ترتكز على تعبئة الاستمارة المطلوبة والخضوع الى الفحوص المعتمدة من الجهات الرسمية المسؤولة عن ملف الهجرة، وانتظار قبول الطلب (بين فترة سنتين الى 3 سنوات) أو رفضه. وتشير المصادر عينها الى أنّ النظام الكندي “لا يأخذ بعين الاعتبار من يعاني من صعوبة معيشية، ومن ليس لديه سقف يحميه، أو غير القادر على تأمين قوته اليومي. من جهة أخرى، من توافر له عرض عمل، قد تكون لديه فرصة للهجرة بعد قبول ملفه. ولكن بكل صراحة، موضوع الهجرة لا يندرج حالياً ضمن اولوياتنا، ويؤسفني أن أبلغ الشباب اللبناني من خلالكم، أنّ تأشيرات الهجرة والعمل ستكون بطيئة وبطيئة جدّاً في هذه الفترة (أي أكثر من 3 سنوات)، لان كندا لم تعد بعد الى حياتها الطبيعية. وليس هذا فقط، يجب أن يعلم من يرغب بالهجرة الى كندا انّ عليه تسديد كل رسوم الطلب والفحوص وغيرها بالدولار. مع الاشارة، الى أنّ مسار تقديم الملف ليس سهلاً ابداً، لا بل هو معقد، ما يتطلب في بعض الاحيان الاستعانة بمستشار ملم في موضوع الهجرة، لمساعدة الشخص على استكمال طلبه ومتابعته طوال المدة وفي كل مراحل الطلب، مقابل تكلفة لا تقل عن الـ6 آلاف دولار. وليس هذا فحسب، على الراغب بالهجرة ان يكون بحوزته مبلغ من المال يمكّنه من تأمين حاجاته بعد انتقاله الى كندا في حال قبول طلب هجرته”.
تحذر المصادر، من عمليات الغش التي وقع ضحيتها الكثير من الشباب في الفترة الاخيرة، بحيث يوجد من يستفيد من ألم اللبنانيين ويوهمهم بضمانة هجرتهم الى كندا في غضون 6 أشهر مقابل مبلغ من المال. من هنا، على الجميع التأكد أنّ المرجعية الرسمية الوحيدة للهجرة هي السفارة الكندية، والمعلومات الرسمية متوافرة على الموقع التالي فقط لا غير: www.cic.gc.ca.
وأخيراً، تؤكد المصادر أنّ الهجرة ليست بالسهولة التي يظنها الشباب في لبنان، بل هي مسار قد يطول لاكثر من سنتين. وأكرر أنّ موارد كندا كما كل الدول الاوروبية والاميركية، تراجعت في الفترة الأخيرة، وأصبحت فرص العمل فيها محدودة جدّاً حالياً. من هنا، أطلب من اللبنانيين التمتع بالوعي الكافي في هذا الموضوع، وأنصح من يريد الهجرة أن يتقدموا بطلباتهم من دون بناء أي آمال، كي لا يخيب ظنهم لاحقاً”. وأخيراً، الوطن ليس بفندق، نغادره عندما تسوء خدماته، ولو فكّر اجدادنا بهذه الطريقة أمام كل المصاعب التي عصفت بهم لما بقي لبنان. فلنعِد حساباتنا، فهجرة جميع اللبنانيين شبه مستحيلة، أمّا تضافر جهودنا في بلدنا فقد يصنع الفرق…