هل دخل لبنان معركة صراع البقاء بعد أن بات الأمن الغذائي يتهدد آلاف العائلات اللبنانية التي خلت بيوتها من الغذاء والدواء؟ الواقع الاقتصادي والمعيشي والحياتي الذي يزداد سوءا يوما بعد يوم، ما دفع ببعض اللبنانيين على سبيل المقايضة الى عرض مقتنياتهم من اثاث وألبسة وبعض الأغراض الشخصية، مقابل عبوة حليب لأطفال رضع او حفاضات او غالون من الزيت. وما عرضته شاشات التلفرة قبل أيام عن تحقيق مصور لوكالة الصحافة الفرنسية، لبرادات فارغة من الطعام فهو على قساوته يعكس واقع الحال لفئة واسعة من اللبنانيين الذين لم يعد بمقدورهم تأمين الضرورات الأساسية في معيشتهم اليومية نتيجة اكتوائهم بغلاء الأسعار.
لقد بلغت أسعار اللحوم والحليب والأجبان وغيرها من المواد الغذائية الأساسية حدا لم يعد بإمكان شريحة واسعة من اللبنانيين احتمالها، ووصل سعر الكيلو الواحد من لحوم البقر الى 50 ألف ليرة والغنم الى 70 ألفا. الحليب بدوره، كما سواه من الضرورات اليومية، أصبح خاضعا لسلطة الدولار. ولجأ بعض اصحاب المحال والتعاونيات الغذائية ومحلات السوبر ماركت والقصابين إلى اقفال ابوابهم احتجاجا على تفلت سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية.
ويرى رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو في معرض رده على اسئلة «الأنباء»: أنه لا حلول في الأفق لأي حل او قدرة لدى الأطراف اللبنانية بكل فئاتها واحزابها التي أفلست، وأن الحكومة برأيه تتخبط بمعالجات لا معنى لها، اما لأنها تغض النظر عما يحصل أو انها غير قادرة على فهم ما يحصل أو ان ما يجري تجاوز قدراتها. وباعتقاده أن لبنان لن يخرج من ازمته هذه الا من خلال صدمة ايجابية كبيرة.
وبحسب رأي برو، فإن قسما قليلا من اللبنانيين يدخرون في منازلهم القليل من المال وأن ما تبقى لهم من فتات في المصارف يأخذونه بسعر 3000 ليرة للدولار الواحد حتى يتمكنوا من تلبية احتياجاتهم، أما الأغنياء الذين يملكون الدولارات في منازلهم فهم يستطيعون الصمود، مؤكدا ان ما يجري ليس بريئا على الاطلاق وهو الوصول الى هذه النتيجة لكي يصرف اللبناني بقدر ما يستطيع من دولارات للوصول الى شطب الودائع والابقاء على ودائع الأغنياء. ولفت الى أنه كلما تأخرت الحكومة في أخذ القرار يكون اصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة هم الضحية الأساسية لأنهم سيصرفون أموالهم على احتساب سعر الدولار على 3000 ليرة وتبقى المصارف ومعها الأغنياء قادرين وحدهم على الصمود.
ويشرح برو أن عملية «الهيركات» قائمة ذلك ان سعر الدولار الذي تجاوز 7000 ليرة، يأخذه المواطن اللبناني من المصارف على اساس 3000 ليرة بالعملة الوطنية أي انه تم أخذ من 80 الى 90% من قيمة الدولار بعيدا عن أي شكل قانوني، وبالتالي من يدفع الثمن هي الطبقة الفقيرة والمتوسطة. وهذا كله بفعل السياسات الاقتصادية القائمة التي تعطي للعائلات الفقيرة القليل من الفتات، معتبرا ان الحكومة حريصة على ان لا يكون الانهيار شاملا خلال أيام معدودة خوفا من الانفجار. وتفضل اعطاء مسكنات حتى يتمكن اللبناني من الصمود ومن أجل ان يعتاد على وضعه الجديد.