حاز التدقيق الجنائي والمحاسبي في حسابات مصرف لبنان على القسط الاكبر من البحث في مجلس الوزراء الذي انعقد في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، من زاوية أنّ إحدى الشركات المطروحة لتولّي هذه المهمة ترتبط بعلاقة مع إسرائيل ما يمكن ان يعرّض الامن المالي اللبناني للانكشاف، حسبما حذر بعض الوزراء.
وعلمت «الجمهورية» انه بعد كلمتي رئيسي الجمهورية والحكومة في مستهل الجلسة، أجاب وزير المال غازي وزني عن سؤال رئيس الجمهورية عمّا آلت اليه العقود مع الشركات التي ستتولى التدقيق في حسابات مصرف لبنان، فقال: «سأوقّع عقدين مع شركة kpmg والـ «اوليفر وايمان»، امّا شركة «كرول» التي تعنى بالتدقيق المالي الجنائي او التدقيق المركز فلن اوقّع العقد معها لأن لدي معلومات انّ هذه الشركة تتواصل مع اسرائيل ونفضّل استبعادها». واضاف: «رأينا الشخصي انّ شركة «كرول» هذه تهدّد السلم الداخلي لأنها تتواصل مع اسرائيل، وأرسلنا لها رسالة بهذا الموضوع.
أما kpmg والـ «اوليفر وايمان» فعقودهما جاهزة للتوقيع، وقريباً سأوقعهما، وهي شركات مصنّفة عالمياً وانا اعتقد انّ هذا التدقيق يكفي ولا داعي للتدقيق الثالث». فأجابه رئيس الجمهورية: «اذاً من سيجري التدقيق الجنائي المركّز؟ فرد وزني: القوى السياسية التي أنتمي اليها تفضّل في وضوح عدم وضع اي شركة تدقيق جنائي وخصوصاً شركة «كرول». فلفت رئيس الجمهورية مجدداً الى «انّ قرار مجلس الوزراء ينص على التدقيق الجنائي والمركّز»، فأعاد وزني التأكيد أنه ينتمي الى جهة سياسية يعبّر عن رأيها بعدم القبول بالتدقيق الجنائي والمالي بواسطة شركة «كرول».
ودار نقاش حول ما اذا كانت هذه الشركة لها ارتباطات مع اسرائيل او بين اعضائها من ينتمي الى الطائفة اليهودية، فحذّر وزير المال هنا من انّ المعلومات او «الداتا» التي يمكن ان تحصل عليها الشركة ربما تستثمرها لمصلحة اسرائيل. وكرر للمرة الثالثة تأكيد اعتراض الفريق الذي ينتمي اليه تلزيم التدقيق الجنائي لشركة «كرول».
وهنا، طلب عون التمييز بين «التدقيق المحاسبي accounting audit وهو تدقيق أعتَبرُه سطحياً، وبين التدقيق المركّز او forensic audit الذي يمكننا من خلاله معرفة كيف تمّ انفاق المال ما يسهّل علينا كشف مواقع الفساد ومكامن الخسائر». واضاف: «اما بالنسبة الى وجود اليهود فهم موجودون في كل شركات التدقيق وفي كل شركات العالم وهناك لبنانيون يهود، ومشكلتنا هي مع اسرائيل وليس مع الطائفة اليهودية». هنا، قال الوزير عماد حب الله: «لكنّ اعضاء هذه الشركة هم اسرائيليون وليسوا يهوداً، ونحن لدينا معلومات مؤكدة عن هذا الامر».
وعلقّت وزيرة العدل ماري كلود نجم فأبدت اعتراضها على عدم التوقيع مع شركة «كرول» خصوصاً انّ قرار مجلس الوزراء اتخذ منذ 3 اشهر ولم يذكر احد انّ هناك مشكلة مع «كرول». واضافت: «لقد دققنا في هيئة التشريع والاستشارات في العقود مع الشركات الثلاث، واجرينا تعديلات ووضعنا ملاحظات، وكان يفترض ان يتم توقيع العقود معها».
وخاطبت وزني قائلة: «ليس من الطبيعي ان نتخذ قراراً ثم نتراجع عنه !! ثمة قرارات عدة اتخذت ثم تراجعنا عنها ما يجعل ثقة الناس بنا مهتزّة. يجب ان تصدر قرارات ونؤكد التمسّك بالخطة المالية وان نتعاون في ما بيننا. ولا يجوز ان نخالف قراراً في مجلس الوزراء كنا قد اتخذناه». واضافت: «نحن أتينا لاتخاذ قرارات وإلا ماذا نفعل؟ فلنستقِل». فأجابها رئيس الحكومة: «ما بدّي اسمع هالكلمة مرة تانية».
وطلب وزير الاقتصاد راوول نعمة الكلام، وقال: «علينا تنفيذ القرارات التي نتخذها. مع الاسف ثمّة من يأخذ علينا صدور قرارات ثم التراجع عنها، أتينا لنساعد في نهوض البلاد وليس كرمى لأحد، واذا ما فينا نعمل شي شو عم نعمل هون؟».
وردّ حب الله: «أقترح تأجيل الموضوع الى اجتماع لاحق، وعلينا ان نطلب لائحة تظهر الفارق بين التدقيق المحاسبي والتدقيق المركّز الجنائي، وفي ضوء ذلك نأخذ القرار المناسب».
وتداخل رئيس الجمهورية مجدداً، فقال: «انّ قرار وقف التوقيع مع «كرول» كان يجب ان يعرض على مجلس الوزراء الذي هو من اتخذ القرار بتكليف هذه الشركة، وهو الذي يبت في شأنها».
وهنا قالت الوزيرة زينة عكر: بعد خمسة اشهر لا بد من ان نسأل أنفسنا ماذا أنتجنا وما هي خطتنا اذا لم يتم تنفيذ الخطة الاقتصادية والمالية؟». وقالت: «الدولار الى ارتفاع واسعار السلع غير المدعومة ترتفع بسرعة… والحلول يجب ان تكون تقنية وسياسية على رغم من اننا محاصرون بالسياسة، وعلينا ان نعمل لتنفيذ الاصلاحات وليس للحصول على المساعدات أتت ام لم تأت، لأنه هكذا تبنى الدولة».
وأضافت: «لا نستطيع شراء الوقت فهناك قرارات علينا اتخاذها فوراً، مثل ملف المباني الحكومية والمجالس والصناديق من ناحية دمجها او الابقاء عليها، وشراء النفط بأسعار مخفضة لفترة طويلة من الزمن والذي لم يتم تنفيذه حتى الآن، ودعم وزراء الصناعة والزراعة والاقتصاد في ما يقومون به من اصلاحات، وعدم الموافقة على تحويل اموال الناس الى اسهم في المصارف، ورفع الجمارك على سلع محددة ومحاربة الاحتكار».
ثم تكلم الوزير عباس مرتضى فقال: «المعطيات التي لدينا تشير الى ان شركة «كرول» اسرائيلية مرتبطة بالموساد».
ولكن عون تمسّك بالتدقيق المركّز كما جاء في قرار مجلس الوزراء، فأكد له الوزير وزني أنه سيوقع مع الشركتين الأخريين، فردّ عون على الفور «انّ التوقيع ضروري مع الشركة التي تجري تدقيقاً مركزاً، وانا اطلعتُ على تقارير الشركات الثلاث ولم اجد انّ اسرائيل لها علاقة بإحداها. امّا القول ان يهوداً يعملون معها، فإنّ معظم شركات التدقيق فيها يهود».
واضاف: «نحن نعرض الشركات على الامن العام لأخذ موافقته، والشركة التي لا تنال موافقة الامن العام نشطبها، واذا كان الاشكال على «كرول» شيء وعلى مبدأ التدقيق المركز شيء آخر. نحن قررنا في مجلس الوزراء شركة تدقيق مركّز وعندما يتخذ قرار في المجلس يجب ان ينفذ «ما فينا ناخذ قرار اليوم ونغَيّرو بكرا». والسؤال: هل هناك رفض لمبدأ الـ forensic audit؟ مجدداً. فأجابه وزني: «الرفض هو لكون هذه الشركة مشبوهة ولا نعلم وجهة الداتا التي ستسلكها».
وقال الوزير رمزي مشرفية: «هناك علامات استفهام حول سبب عدم اعتماد التدقيق الجنائي واذا لم ننفذ قراراتنا سنخسر صدقيتنا امام الناس».
وردّ رئيس الحكومة، فقال: «هناك مسؤولية وطنية يجب ان تتحملها الحكومة وسنواصل حمل هذه المسؤولية، والقرار اتخذ بثلاث شركات ويجب التعامل مع هذا القرار بغضّ النظر عن الشركة المعنية». وتحدث عما حققته الحكومة في اطار عملها منذ ان نالت ثقة المجلس، وقال: «هناك عدة اصلاحات تمّت وسنوزّع قريباً على الوزراء لائحة تضم الاصلاحات التي تحققت والاصلاحات التي يفترض ان نعمل على تنفيذها قريباً».
وسانَد حب الله بشدة موقف وزير المال، واكد ان لديه «معلومات مؤكدة انّ هذه الشركة لها ولديها ارتباط وثيق بإسرائيل». وحذّر حب الله مجلس الوزراء من كشف البلد امام إسرائيل «لأنّ هذا هو هدفها، وهي تسعى بشتى الوسائل للدخول الى المعلومات في لبنان»، طالباً تأجيل البت بهذا الامر «لمزيد من الدرس والبحث والتحقق»، فوافق رئيس الحكومة على هذا الامر وطلب تأجيل البت الى يوم الخميس.
وعندها، ابلغ وزني الى مجلس الوزراء استقالة بيفاني، فرد دياب من فوره: «سنطرح هذا الامر يوم الثلثاء من الاسبوع المقبل».
وأثار وزير الاتصالات طلال حواط المشكلات التي تتعرض لها محطات الارسال بسبب نقص المازوت، مؤكداً انه سيبحث في هذا الامر مع وزير المال اليوم.
وتحدث دياب مجدداً فقال» «انّ الخطة المالية مستمرة، ونحن كحكومة ملتزمون بها وتجاوزنا أرقام الخسائر إنما نبحث الآن في طريقة توزيع الخسائر بالتواصل مع حاكم مصرف لبنان والقطاع المصرفي ووزير المال لنجد السيناريو المناسب، وليس هدفنا ابداً تركيع القطاع المصرفي ولا مصرف لبنان ولن نُدفّع المودعين الثمن».