كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”:
فصول الازمة الاقتصادية، المالية والنقدية اللبنانية تزداد تعقيداً. وبدلاً من أن تبدأ “مصيبة” تخلّف لبنان عن سداد ديونه في آذار الفائت بالانحسار تدريجياً، شأنها شأن كل المصائب، ها هي تكبر وتتعاظم مثل كرة الثلج. خمس عشرة جلسة من المفاوضات لنيل القروض، وما زالت الحكومة تتهرب من السماح لصندوق النقد الدولي بوضع أصبعه على جرح الانهيار النازف. وهو ما يفرض، بحسب أمين عام اتحاد المصارف العربية وسام فتوح في حديث خاص مع “نداء الوطن”، أمراً من إثنين: إما البدء بالاصلاحات الاقتصادية الجدية أو فقدان جدوى المفاوضات مع صندوق النقد.
فقدان لبنان في الآونة الاخيرة للتدفقات النقدية المتأتية من: تحويلات المغتربين والاستثمارات المالية المباشرة FDI’s والودائع في القطاع المصرفي، لم يُفقد البلد ترف تغييب الاصلاحات فحسب، إنما أصبح يهدد بخسارة ما بناه لبنان على مدى عشرات السنوات بالضياع. فعدم إطفاء فتيل الازمة بضخ مياه الاصلاحات الباردة على المالية العامة والكهرباء والاتصالات والمرافق الحيوية سريعاً، سينقل الشرارة إلى برميل بارود القطاع الخاص والتسبب بانفجار عسير الاحتواء.
التخوّف من الاسوأ
“التباطؤ أو بالأحرى عرقلة الاصلاحات، وترك الامور في المفاوضات بين أيادي المستشارين وتظهير الخلافات على الارقام بالاعلام”، قضت، بحسب فتوح، على “عاملي الثقة والسمعة”. وهذا ما يجعله متخوفاً من “حدوث تطورين بالغي الخطورة: يتمثل الاول في زعزعة علاقة المصارف المراسلة مع نظيرتها اللبنانية. وهو ما يعني عملياً المزيد من العزلة الدولية، وعرقلة كل العمليات التجارية. وبالتالي هدم مداميك الثقة والعلاقات الخارجية التي بنتها المصارف اللبنانية طوال 70 عاماً، وتهديد التفاهمات مع المصارف الاميركية التي تعتبر بحد ذاتها قيمة مضافة كبيرة، من الصعب تعويضها وتتطلب عقوداً لاعادة بنائها.
أما التخوف الثاني فيتمثل بامكانية انسحاب المصارف العربية من لبنان كما فعلت المصارف الاجنبية. “إذ انه بالرغم من التعاطف الكبير الذي لمسناه في زياراتنا العربية للتشجيع على ضخ سيولة عبر ودائع مصرفية فان هناك تخوفاً من الوضع في لبنان بسبب عدم الاستقرار السياسي”، يقول فتوح. “فحسابات البقاء أو الخروج من السوق ترتبط بسياسة توسع البنك خارجياً وبدراسة الجدوى الاقتصادية. وعليه فإن دلّت الدراسات انه لا جدوى من الاستثمار في لبنان فان امكانية الانسحاب تكون كبيرة. وهذا ما لا نتمناه خصوصاً ان هناك 11 مصرفاً عربياً تعمل في لبنان”.
توسع المخاطر
في إضاءته على واقع القطاع المصرفي اللبناني أشار اتحاد المصارف العربية، نقلاً عن وكالة “موديز”، إلى ان تعرض المصارف الكبير والمتزايد للديون السيادية يعتبر أحد المخاطر الرئيسية للمصارف، التي يرتبط تصنيفها الائتماني ارتباطاً وثيقاً بالتصنيف السيادي للبنان. مشيراً الى انه على صعيد الملاءة تعتبر نسبة كفاية رأس المال لدى المصارف اللبنانية متواضعة، وأن انكشاف المصارف اللبنانية على الدين السيادي بلغ في نهاية آذار 2020 حوالى 215.1 تيريليون ليرة (177.5 ودائع لدى مصرف لبنان و37.6 قروضاً للحكومة) وهذا يشكل 68.4 في المئة من مجمل موجودات المصارف. ما يدل على المخاطر التي تواجهها المصارف.
هذه السياسة التي قامت على جذب الودائع من خلال رفع الفوائد كانت بحسب فتوح “ردّ فعل من “المركزي” على التطورات السياسية والامنية. ولو انها ترافقت مع الاصلاحات الاقتصادية التي كانت الطبقة السياسية تعد بها، لما كنا وصلنا إلى هذا الوضع. بل على العكس فان الأمور كانت ستستمر بثبات ونجاح من دون أي مشاكل”. فتوح ينطلق من ان استجلاب الودائع “المكلفة” مقسوم إلى جزءين، الاول يتعلق بالسياسات النقدية حيث يساهم رفع الفوائد في تدفق الودائع. والثاني بالرضى السياسي، إذ تعمد الدول الداعمة الى وضع ودائع بصفر في المئة فائدة لمساعدة البلد. وفي الحالة اللبنانية فان الفراغ الرئاسي الذي مرّ وعدم القدرة على تشكيل حكومة لأشهر وعدم توقف الخضات السياسية والامنية، أعدمت الشكل الثاني من الوديعة، ولم تترك لمصرف لبنان إلا الخيار الاول المشروع، من اجل تمويل الرواتب والاجور والمحافظة على استقرار سعر الصرف وحماية الودائع من الهروب”.
اليوم ومع وصولنا إلى هذا المأزق على الصعيدين النقدي والمصرفي فان الواجب “يحتّم الاتجاه سريعاً الى دعم القطاع المصرفي في عملية الاصلاح حفاظاً على ما تبقى من قيمة الودائع في ظل انهيار الليرة، بالاتفاق مع مصرف لبنان وجمعية المصارف”، يقول فتوح. وذلك من خلال تقسيم البنوك الى ثلاث فئات: بنوك سيئة، تجري تصفيتها وحفظ حقوق مودعيها. بنوك تجب مساعدتها من خلال الدمج او الاستحواذ. وبنوك جيدة تستطيع الاستمرار. “إلا ان هذا ما لا نقرأه في خطة الحكومة. فوضع خيار انشاء 5 مصارف جديدة من غير المعروف ان كانت ستستطيع العمل، قبل تأمين حلول منطقية للقطاع المصرفي القائم، والتي تمكن مساعدته، هو اكبر دليل على ذلك”.
الصندوق “مش” بالجيب
خلال الاشهر الثلاثة المنصرمة لم نفعل شيئاً في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي “إلا الاساءة لسمعة لبنان”، يقول فتوح. “وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون بأن العائق يتمثل في الاختلاف على الارقام، ارى ان جوهر المشكلة هو عدم اعطاء أي بارقة أمل في موضوع الاصلاحات. فالصندوق لا يهتم بالارقام بقدر اهتمامه ببدء الاصلاحات، ولمس نتائجها الايجابية على ارض الواقع. وعليه فان اهمال الاصلاحات سيفشل المفاوضات مع الصندوق وذلك على الرغم من تعاطف مديرة الصندوق والمجتمع الدولي الكبير مع لبنان”.
إذا أضيف التأخر بابرام اتفاق جدي مع الصندوق على تراجع التدفقات النقدية فان الاقتصاد سيصاب بمقتل. حيث يتوقع ألا تتجاوز تحويلات المغتربين هذا العام المليار دولار، ويستمر تغييب الاصلاحات برفع فاتورة الاستيراد. فاصلاح الكهرباء على سبيل المثال يخفف علينا فاتورة استيراد المازوت لاستخدام أكثر من 8 آلاف مولد منتشرة في كل لبنان.
بادرة أمل
في ظل هذا الواقع المأزوم يخترق خبر تحضير اتحاد المصارف العربية لجدوى إطلاق صندوق سيادي لادارة الازمة المشهد السوداوي. وبحسب فتوح فان “الاتحاد الذي يعمل على مصادر تمويل الصندوق واهدافه وينسق التعاون مع حكومات الدول العربية، سيخصص جزءاً منه لدعم لبنان وتحديداً في المجال الصحي وتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة”.