كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
بكثير من الواقعية تتعامل الحكومة مع التطورات المحطية بها. تدرك جيداً أنّها تخوض معارك على كل الجبهات: الجبهة الخارجية التي وضعتها على تقاطع الصراع الاقليمي الذي يقطع عنها اوكسجين المساعدات لألف سبب وسبب. الجبهة الداخلية التي تدفعها للتعاطي مع القوى السياسية على قاعدة “اللهم احمني من أصدقائي، أما اعدائي فأنا كفيل بهم”.
تكاد تتفق كل القوى السياسية، باستثناء “حزب الله”، على ضرورة إفشال حكومة حسان دياب، ولو أنّ سلوكها المتردد والغارق في كثرة الاجتماعات وقلة القرارات يزيد من أسباب فشلها أيضاً. لا أحد، من الطبقة السياسية يريد لهذه الحكومة أن تقدم نموذجاً ناجحاً. ولذا لا مانع أبداً من إكثار العصي في دواليبها.
فضلاً عن أنّ مصالح هذه القوى السياسية باتت على الطاولة. كل خطوة قد تقدم عليها الحكومة في مسارها الإصلاحي هو عملياً مشروع قضم من طبق مصالح هذه القوى، ولذا سارعت إلى تطويق عمل الحكومة والتصدي لها عبر أكثر من وسيلة. في الشارع أحياناً وفي مجلس النواب أحياناً أخرى. ولا مانع أيضاً عبر “ودائعها” في مجلس الوزراء.
يعترف المدافعون عن الحكومة بأنّ الاخيرة ليست في أحسن أحوالها ولو أنّ تقليعتها كانت أفضل بكثير وقد تركت انطباعاً طيباً لدى الرأي العام في لحظة كانت فيها القوى السياسية تخبو في “أوكارها” خشية من غضب الشارع الذي تعامل مع الجالسين على “موائد القرار” وفق معادلة “كلن يعني كلن”، فلم يعف أياً من هؤلاء من “حجارة رجمه”، ما دفعهم إلى البحث عن صيغة حكومية تتلقف كرة النار من دون أن تحرقهم. وحين باتت مصالحهم في خطر وراح الشارع يبحث عن لقمة عيشه المهددة بفعل الانهيار المالي، عاد البحث من جديد عن صيغة تعيد “القدامى” إلى الواجهة ولو بحلّة جديدة.
ولكن بنظر المدافعين، لا تتحمل الحكومة وحدها وزر هذا التخبط الذي تعانيه. فهي تخوض مواجهات من “ذوي القربى” كما من الخارج، بعدما صارت اللعبة الداخلية جزءاً من أدوات الضغط الخارجي، بشقيه المالي والسياسي. وهذا ما يفسّر تلميحات بعض الوزراء وتهويلهم بالقفز بدورهم من مركب الحكومة.
كثيرة هي المؤشرات والأدلة التي ترفع من منسوب الشكوك في أذهان المدافعين عن الحكومة، حول مياه تجري من تحت أقدامها وتهدف إلى إغراق خطتها الاصلاحية وتطويعها، من خلال العمل الذي تقوم به لجنة تقصي الحقائق المنبثقة من لجنة المال والموازنة. بنظر هؤلاء ثمة قطبة مخفية لا ينظر إليها إلا بعين سياسية، خصوصاً وأنّها تزامنت مع استقالة مدير عام وزارة المال آلان بيفاني، في توقيت سياسي لا يمكن فصله أبداً عما يحصل في أروقة مجلس النواب. بالنتيجة، بات الحديث عن بديل للحكومة مستسهلاً. حتى أنّ رئيس الحكومة تحدث عن محاولة “انقلابية” قادها الخصوم عشية أحداث السادس من حزيران، للإطاحة بالحكومة والاتيان بواحدة جديدة.
عملياً، تشي السيناريوات المنطقية لأي محاولة لتغيير المشهد الحكومي، بأنّ البديل لن يكون أبداً ذا طبيعة سياسية، لسبيين جوهريين، أولهما رفض الشارع لهذه الصيغة المنبوذة، وثانيهما الصراعات السياسية الداخلية، وبنظر داعمي الحكومة أن معادلة سعد الحريري – جبران باسيل “سوياً في الحكومة أو سوياً خارجها” هي السائدة، فضلاً عن ربط الحكومة مصيرها بالانتخابات الرئاسية وصراع الموارنة عليها، حيث لا يبدي “حزب الله” أي إشارة الى نيته في المفاضلة بين حلفائه الموارنة، والمقصود بهم بشكل خاص رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ورئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية.
كلها عوامل تجعل من احتمال قيام حكومة سياسية، غير قابل للحياة. وبالتالي إنّ السيناريو الأكثر منطقياً هو قيام حكومة تكنوقراط بنسخة منقحة ذات جدول أعمال واضح ومحدد ومتفاهم عليه مسبقاً. وبالتالي ما سيسري على الحكومة الحالية قد يسري على من سترثها في الظروف السياسية والتسهيلات الممكنة.
ولذا يصير موقف “حزب الله” هو الحاسم في هذا الشأن. يقول المواكبون لهذا الملف، إنّ “الحزب” مقتنع أنه قادر، حتى الآن على التصدي للهجمة الدولية التي يتعرض لها لبنان والحكومة، وبالتالي بإمكانه التحمل من دون التضحية بالحكومة. ولهذا لا يبدي أي ليونة لكسر الحكومة وإسقاطها بالضربة القاضية بعدما بات مصيرها مرتبطاً بالمواجهة الاقليمية. ولذا يتصرف على أنّها “أفضل المتاح” ويقفل الباب على كل طروحات التغيير والانقلاب.
الأهم من ذلك كله كما يقول المواكبون إنّ تجربة حسان دياب في الحكومة، نموذج من خارج السياق. إنّ مسألة الإطاحة بحكومته باتت تتعدى في حسابات “حزب الله”، اعتبار شخص رئيسها أو مكوناتها. صمود تلك التجربة هو ما يعني “حزب الله”. أما ما يمكن لها أن تنجزه، فتلك مسألة أخرى.
ولكن ماذا عن حسان دياب؟
يقول المطلعون على موقفه إنّه لن يقف حجر عثرة في وجه أي حكومة جديدة في حال تمّ التفاهم عليها. لا بل سيسهل مهمة الطهاة. هو لن يتردد في تسليم مفاتيح السراي لأي حكومة بديلة توضع مسودتها على طاولته، ولكنه في المقابل لن يسلم الكرسي لشغور قد يغرق البلد في المجهول. بالنتيجة، يقول هؤلاء إنّ دياب لن يكون رئيس حكومة تصريف أعمال بقرار ذاتي منه. أما غير ذلك، فليسقطوه في مجلس النواب وليتحملوا مسؤولية المجهول أو فليقدموا حكومة بديلة.