كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
تسارعت المواقف والتطورات في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة:
– أولاً، وقف رئيس الحكومة حسّان دياب أمام مجلس الوزراء ليقول بلا مواربة: “هناك جهات، محلية وخارجية، عملت وتعمل حتى يكون الاصطدام مدوياً، وتكون النتيجة حصول تحطّم كبير، وخسائر ضخمة”، وتحدث عن “اجتماعات سرية وعلنية، ورسائل بالحبر السري ورسائل بالشيفرة ورسائل بالـ”واتساب”، ومخططات، وأمر عمليات بقطع الطرقات وافتعال المشاكل”.
– ثانياً، وللمرة الأولى منذ تقديم استقالته على مذبح “انتفاضة 17 تشرين الأول”، يلمح رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى شروط ثبّتها على أرض المعركة كي يقبل بالعودة إلى السراي الحكومي. اذاً هو، بحسب الداعمين للحكومة “على عكس ما كان سائداً طوال الفترة الماضية، مستعد لإزاحة دياب والجلوس مكانه”. أما ما لم يقله عن شروط عودته، فهي وفق المطلعين، خالية من “دسم” حزب الله السياسي، ووزن جبران باسيل الزائد!
– ثالثاً، رفع الشارع من وتيرة اعتراضه وبقعة زيته فيما رصدت مشاركة مجموعات حزبية في أكثر من منطقة، ومنها المناطق المسيحية على نحو يدلّ على أنّ منسوب الضغط الخارجي آخذ في الارتفاع، خصوصاً وأنّ هذا المسار التصاعدي ترافق مع حركة دبلوماسية ملفتة في توقيتها، والأرجح في مضامينها.
– رابعاً، ثلاثة مواقف متضاربة خرجت من عمق قوى الثامن من آذار: نائب رئيس مجلس النواب نبيه بري ايلي الفرزلي يعزف من جديد على وتر التغيير الحكومي، وهذه المرة من بيت الوسط تحديداً فيعلن بصريح العبارة: “الحريري مدخل رئيسي للمّ الشمل اللبناني وعلى دياب العمل لإيجاد حكومة بديلة”.
بعده بساعات كان رئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهاب الذي كان من أبرز داعمي الحكومة، يطالبها بالاستقالة قبل أن يسقطوها بالشارع: مفاوضات تدور في المجالس المغلقة لتشكيل حكومة.
ولكن قبله بساعات كان رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية غير المتحمس أصلاً للحكومة والذي يضع “رجلاً داخلها وأخرى خارجها”، يعلن عبر “الميادين” أنّه “لن يتخلى عن حلفائه ولا عن الحكومة”.
وفيما لو وضعت مواقف الثلاثة في ميزان مزاج “حزب الله”، لاحتلّ ما قاله فرنجية موقع الصدارة، لكونه أكثر دقة في التعبير عما يدور في كواليس “الحزب”! أما الفرزلي، فمن الواجب البحث بين سطور كلامه عن قطب خلافاته مع باسيل.
فهل دقّت ساعة رحيل الحكومة؟
وفق المعلومات، فتح الاشكال الذي شهده مجلس الوزراء يوم الثلثاء بشأن شركة التدقيق العالمية “كرول”، شهية الراغبين في الانقلاب على الحكومة، من ذوي القربى وليس الخصوم بطبيعة الحال. فنُبشت على الحال سيناريوات التعديل والتغيير الحكومي، على قاعدة أنّ الحكومة باتت عاجزة عن القيام بأي خطوات نوعية وباتت محاصرة من كل الجهات بشهادة أهل بيتها، لا بل ينخر سوس الخلافات الداخلية عظمها. فلنبحث في خيارات جديدة.
ولكن سرعان ما أتى الجواب من الضاحية: الحكومة باقية، ولا مكان لسيناريوات بديلة. ولا يُفهم بالتالي كلّ الضجيج الحاصل من حولها، سواء من “أولياء أمرها” أو من خصومها، إلا من باب عرقلة عملها والضغط عليها، لاعتبارات داخلية وخارجية.
حتى اللحظة، لا يوحي دياب أنّه بات معرّى من مظلة حمايته السياسية التي يؤمّنها “حزب الله”، ولا أحد سواه. أقله لم يتبلغ أيّ موقف جديد في هذا الشأن، والأكيد أنّ “الحزب” لن يسحب البساط من تحت قدميّ رئيس الحكومة على غفلة. لا بل أكثر من ذلك، تشي حركة رئيس الحكومة ومواقفه بأنّه مستمر في مهمته لأنّ من سيخلفه لم تحن ساعة تتويجه رئيساً للحكومة، وهذه لحظة سياسية لها عواملها وطبيعتها. ويبدو أنّ ظروفها لم تنضج بعد.
أمام مجلس الوزراء، بدا دياب حاسماً: إخترنا مواجهة التحديات، وسنكمل بمواجهتها. تحدث عن “ردّ واضح وصريح وشفاف وتحديد للمسؤوليات”. وأكد وجود “خيارات عديدة، وأوراق كثيرة نكتب عليها رسائلنا”. ولعل أول تلك الردود كان اللقاء الذي عقد بعد ظهر أمس مع السفير الصيني بمشاركة وفد وزاري لبناني.
عملياً، قرر رئيس الحكومة الانتقال إلى مربع جديد في سلوكه: الانفتاح على الصين وهو يدرك جيداً أنّ هذا الخيار هو بمثابة خطّ أحمر عند الأميركيين، لكنه سيفعلها كما فعل حين أصمّ أذنيه عن مطلب الإبقاء على محمد بعاصيري في نيابة حاكمية مصرف لبنان. وها هو يفتح وثائق المشاريع الاستثمارية في كل الوزارات، عسى “التنين” يخفف شيئاً من “قوة الارتطام” الاقتصادية والاجتماعية. لا بل، تستعد الحكومة اليوم لاستقبال وزيري النفط والزراعة العراقيين للبحث في إمكانية التعاون أيضاً.
أما غير ذلك، فلا يشي بأي تفاؤل. حتى مشاركة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في جلسة مجلس الوزراء أمس لا تعني أي تطور مالي أو تحسّن في سعر الصرف، حيث قام سلامة وفق المعلومات بشرح النسب المئوية لحركة الدولار في السوق اللبنانية، مؤكداً أنّ حجم السوق السوداء لا يتعدى الـ 10% ولا يمكن السيطرة عليها أو التدخل فيها، خصوصاً بعد سلسلة اجراءات الدعم المختلفة التي يتولاها “المركزي” لتطويق حركة الاستيراد ومنع تفلّت “دولارها”، حيث يقوم بدعم أكثر من 200 سلعة غذائية على سعر 3200 وهذه تشكل حوالى 15% من سوق الدولار، فيما المواد الأساسية من نفط وقمح ودواء ومعدات طبية لا تزال مدعومة على سعر 1500، وهذه الأخيرة تستحوذ على 70% من حركة الدولار في السوق اللبنانية، فضلاً عن أنّ كل القروض المدولرة تدفع بالليرة على سعر 1500. بالنتيجة، إنّ التوجه إلى السوق السوداء لتغطية بقية الاستيراد للكماليات لا يتعدى الـ 10%، مع العلم أنّ هذه القطاعات شبه متوقفة. وينتظر أن يتقدم اليوم بآلية جديدة لضبط سعر الصرف أكثر.