كتب بسام ضو في صحيفة “الجمهورية”:
أبدَت مراجع سياسية وقانونية لبنانية – إقليمية – دولية امتعاضها الشديد من أحكام قضائية تصدر من حين إلى آخر، والتي يُصدرها قُضاة على ما يبدو ينتظمون في صفوف أحزاب سياسية شمولية خارجة عن القوانين اللبنانية والدولية. وفي جلسة سياسية – قضائية تنامى إليَّ أنّ بعض السياسيين يتخوّفون من عملية تسييس القضاء ربما بحسب تحليلهم أنها ستمتدّ إلى وضع تشريعات جديدة على مقاس الجماعة وأيديولوجيتها، ومن ثم اعتماد نظام الدكتاتورية، وإكراه المواطن على هذا الأسلوب. المشكلة في لبنان متشعّبة تبدأ من الحكام ونظامهم الشمولي الدكتاتوري، وما نراه بأمّ العين وبالأدلّة أنّ السياسيين الحاليين وبمنظومتهم السياسية الشمولية يفتقرون إلى مواجهة الناس والاعتراف بتبعيّتهم وفشلهم، ويتهرّبون من الاعتراف بأنهم ليسوا أصحاب القرارات الحاسمة والحازمة، بل هناك من يُدير اللعبة وفقاً لِما يتناسب وطَرحه وطرح معلّميه.
قانونياً، حمل القضاء أمانة تحقيق العدل منذ وجوده، فالقضاء هو السبيل الذي يلتمس فيه أيّ مُتقاضٍ العدل والإنصاف. والقضاء هو سبيل الحاكم لأنّ مهمته الفصل بين خصومات الناس وفقاً للأحكام العالمية، حيث أنّ الاعتماد على هذه القوانين يضمن الحكم الدقيق وعدم اتّباع الإملاءات من أي جهة معينة. اليوم، وفي غمرة الأحداث المحلية والتطورات الخارجية وفي أجواء دولية متوترة جرّاء العديد من الأحداث وكان آخرها وباء كورونا، وتزامناً مع ثورة 17 تشرين، يصدر عن قاضٍ لبناني حكم غريب وغير مسبوق في تاريخ القضاء اللبناني يطلب فيه عدم نشر أخبار سفيرة الولايات المتحدة الأميركية عبر وسائل الإعلام لمدة سنة. لا النظام القائم ومن يدعمه حالياً ولا حتى الدولة الراعية استطاعوا تقديم حجّة معقولة أو موضوعية لحيثيات الحكم، ولم يستطيعوا ان يقدّموا تفسيراً منطقياً يجتهد أن يكون مقبولاً أو محترماً أو حتى مقنعاً لمِثل هذا التطور القضائي المُستجِد للشعب اللبناني بأسره ولا حتى للجماعة الموالية بالإكراه للمنظومة التي هي وراء هذا العبث بالأحكام القضائية. لقد آثرت تلك السلطة الحاكمة أو المتحكّمة في لبنان ومقدّراته إصدار هكذا قرار، وهو على ما يبدو، وبعد مراجعة أكثر من مرجع قضائي، حكماً قضائياً مسيّساً. وأستتبع ما قاله القانونيون لأسأل أهل الحكم القائم خلافاً للنظام الديمقراطي: هل هذا الحكم للتغطية على فشل سياسات ووعود الطبقة الحاكمة وترهيب اللبنانيين والمجتمع الدولي؟!
يا سادة، إنّ التزام الدول بتغيير قوانينها لكي تصبح قادرة على استيعاب ما أبرَمته من معاهدات أمر ناتج من الأهمية البالغة للمعاهدات الدولية التي تستمد في تطبيق المعاهدة وتنفيذها فعلياً، لأنّ المعاهدة، مهما كانت القواعد والمبادىء الواردة فيها، لم تنفّذ، وبعد أن تستوفي المعاهدة كافة شروطها الشكلية والموضوعية تصبح نافذة في دائرة العلاقات الدولية ومن ثم تصبح أحكامها مُلزمة للدول الأطراف. ويظهر قانونياً ممّا تقدّم به سعادة القاضي في حكمه أنه تخطّى بعض الثوابت القانونية، وأذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر: مخالفته للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ولشموليته كافة وسائل الإعلام العاملة على الأراضي اللبنانية، ولعدم احترامه حرية الإعلام ولتجاوزه صلاحيات الحكومة وأيضاً وزير الخارجية، ولعدم احترامه الأصول والعلاقات الدبلوماسية، ولنشره قبل تبليغ أصحاب العلاقة، ولخلق عداوة وفتنة مع دولة صديقة نتيجة لقرار مخالف للقانون، ولعدم القدرة على التنفيذ بحق السفيرة الأميركية بحالة المخالفة إستناداً إلى الإتفاقيات والمعاهدات الدولية، ولعدم وجود صفة ومصلحة للشخص المدّعي، ولصدور القرار بصيغة الأنظمة والتي يمنعها القانون على القاضي، ولسبب صدوره في يوم عطلة وعلى عجلة، والكثير من العيوب القانونية التي لا نودّ ذكرها في هذا المقال، لكن سنكشفها تفصيلياً بموجب إخبار لدى مكتب المفوّض السامي لحقوق الإنسان.
أيّها السّادة، إيّاكم والعبث بالقضاء لأنّ الشعوب والأوطان والقانون مضمونة حقوقها في ميثاق الأمم المتحدة، وحيث أنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينصّ خصوصاً على مبادىء المساواة أمام القانون وافتراض البراءة. واعلموا أنكم ملزمون احترام البعثات الدبلوماسية العاملة على أرض لبنان، ويوجب عليكم القانون أن تكون محطّ احترام وتقدير، وإنكم كدولة ملزمون بحفظ حرمتها انسجاماً مع اتفاقية «فيينا للعلاقات الدبلوماسية». واعلموا أنّ النص الرسمي لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، الصادر في العام 1961، هو اتفاقية دولية تحدد الإجراءات والضوابط الخاصة بالعمل الدبلوماسي بين الدول، وتبيِّن الحقوق والواجبات الخاصة بأفراد البعثات الدبلوماسية. وأخيراً، عليكم تطبيق القوانين المرعيّة الإجراء ولا تفسحوا في المجال لأيّ تدخل خارجي.