كتبت مريم سيف الدين في صحيفة “نداء الوطن”:
وكأنها حكومة التعجيل بالإنهيار، لا حكومة الإنقاذ كما ادعى بداية رئيسها ووزراؤه. ففي وقت تستمر فيه قيمة الليرة بانهيار بلغ سرعة قياسية هذا الأسبوع، تستمرّ الحكومة في تضييع الوقت. فيما يكتفي رئيسها، حسان دياب، بالتهرّب من مسؤولياته عبر لوم جهات يتهمها بعرقلة عمله من دون أن يسميها. في وقت بدأت فيه المواد الغذائية بالنفاد من العديد من المحال، وأغلقت محال عدة أبوابها بانتظار أن تستقر قيمة الليرة. وحتى المحال التجارية الكبرى لم تعد تقوى على العمل في ظل تدهور قيمة عملتنا، فتفاجأ اللبنانيون أمس بإعلان مجموعة من المحال الكبرى إقفال متاجرها. وفيما يسيطر الخوف والقلق على اللبنانيين بدأت مناطق مختلفة تعاني من تقنين المولدات ومشاكل في شبكات الإرسال الخلوية، فيما تتهدد الظلمة كل لبنان في الأيام القليلة المقبلة.
هو واقع يحاول البعض إنكاره والتغطية عليه بتصوير إنجازات وهمية أو لوم من يتحدّث عنه. لكنّ زيارة واحدة إلى السوبرماركت في اليومين الماضيين تكشف حجم الرّعب والقلق الذي يعيشه المواطن. وتعكس النّظرة على وجوه النّاس عن كمّ الضغوطات التي يعيشها هؤلاء. يقفون أمام الرفوف الفارغة فيزيدهم المشهد رعباً ويفكّرون مرات عدة قبل شراء السلع التي لم تفرغ بعد. وعلى الرغم من الصدمة من ارتفاع أسعار السلع بشكل كبير، بين يوم وآخر، غير أن الخوف من استمرار تدهور سعر الصرف يدفعهم لشراء ما أمكن، خشية تآكل رواتبهم أكثر فأكثر. علماً أن نسبة كبيرة من المواطنين لا تملك القدرة على ان تتموّن أبسط الحاجيات، ما يجعلها تدفع كلفة الانهيار بنسب مضاعفة. كذلك يشكو أصحاب الدكاكين الصغيرة من سرعة ارتفاع الأسعار، ما دفع بالكثير منهم للإقفال والتوقف عن البيع.
في اتصال مع “نداء الوطن” يؤكد نقيب مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي، أن الوضع صعب لكن ليس كارثياً. ويعزو بحصلي سبب النقص بالسلع على الرفوف إلى هلع المواطنين الخائفين من ارتفاع الأسعار، مطمئناً الى أن لا نقص في المواد الغذائية بل هناك “نفاد مرحلي للأصناف”. ويفترض خلال الأيام المقبلة أن يتمكن المواطنون من شراء بعض أصناف المواد، كالأرز والسكر وبعض الحبوب والتونا، بأسعار أرخص من الموجودة حالياً في الأسواق. إذ بدأ مصرف لبنان منذ نحو أسبوع ببيع التجار الدولار المدعوم بسعر يقارب الـ4000 ليرة، ليستوردوا هذه السلع ويبيعونها للمواطنين. لكن بحصلي يلفت إلى أن الكميات التي وصلت من هذه المواد لا تلبي حاجة السوق وتنفد بسرعة. ويشير النقيب إلى أنه يمنع تخزين هذه البضاعة بل يجب بيعها فوراً وعرضها بشكل ظاهر، لكن هذه المواد غير متوفرة في جميع المتاجر. وستظهر تجربة الأيام المقبلة فعالية هذا الدعم وإن كانت أسعار هذه السلع ستستقر فعلاً على السعر المدعوم أم ستشهد تلاعباً.
وفي خضم الفوضى تحوّل عدد من المواطنين إلى سماسرة للدولار، لا يخجلون من القيام بعملهم في الأماكن العامة ولا عبر مواقع التواصل الإجتماعي. فيعرض هؤلاء صفقاتهم على أصحاب الودائع للسيطرة على ودائعهم بأسعار تكاد تساوي ربع قيمتها. وقبل أن يبلغ سعر صرف الدولار العشرة آلاف سارع تجار مواد مختلفة لاحتساب أسعار سلعهم وفق هذا السعر. إذ بات هؤلاء يعتمدون تسعيرة تفوق سعر الصرف في محاولة لاستباق ارتفاعه، إذ لم يعد يؤمن المواطنون بإمكانية تثبيت سعر الليرة مقابل الدولار أو كبح انهيارها. ويشكو عدد من أصحاب المصالح التي تطلب مادة المازوت من صعوبة في تأمين المادة وارتفاع أسعارها. في حين بات يعيش المواطنون في مناطق مختلفة ليالي ظلماء تفتقد فيها كهرباء الدولة والمولّدات، ليالي موحشة ملؤها القلق والرعب مما يحمله القادم من الأيام. بينما منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت لم تشهد بعد تقنيناً لكهرباء المولدات، لكن بدأ أصحابها يحضّرون السكّان لهذا الاحتمال عبر إعلامهم بالأمر. علماً أن المنطقة لطالما شهدت سابقاً احتجاجات رفضاً لانقطاع الكهرباء. ومن المحتمل أن تولّد ساعات تقنين المولدات موجة من الغضب والاحتجاج في المنطقة، وهو ما يظهر “حزب الله” حرصاً على عدم حصوله، ولتطويق أي احتجاج.
لكن بعض مناطق الضاحية باتت تشهد مشاكل وانقطاعاً في إرسال شبكات الخلوي. ويفرض احتمال انقطاع الكهرباء في الأيام المقبلة وكذلك توقف عمل شبكات الخلوي نتيجة فقدان مادة المازوت والفيول مخاطر، خصوصاً في ظل الأوضاع الراهنة واستشراس قوى السلطة في الدفاع عن نفسها. ما ينذر بإمكانية استغلال السلطة لغياب وسائل الاتصال وإمكانية توثيق انتهاكاتها لقمع المحتجين أو الانتقام منهم. وقد سعى وزير الطاقة ريمون غجر للتخفيف من مخاوف اللبنانيين من الظلمة عبر وعده بتموين السوق بمادة المازوت غداً، متهماً البعض بالاحتكار.