كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
مخاض عسير تجاوزته الحكومة الاسبوع الماضي. سلسلة أحداث مترابطة ودعوات متلاحقة لاستقالتها أعطت مفعولاً عكسياً لناحية التمسك بحكومة حسان دياب وشد أواصر استمرارها. ومرة جديدة استطاعت القوى الاساسية الالتفاف على الواقع المرير بإعطاء دياب جرعة معنويات سياسية يفترض ان تصرف على طاولة مجلس الوزراء يوم غد الثلثاء. فالاستنفار الذي أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل و”حزب الله” إستطاع ان يمنح رئيس الحكومة جرعة أوكسجين إضافية، وإطلاق يده للذهاب نحو إصلاحات باتت أكثر من ضرورية وملحة. ولذا فإن المتوقع ان يخرج مجلس الوزراء من الروتين والمراوحة التي انهكته الشهر الماضي ليناقش جدول أعمال يتضمن ملفات أساسية تمهد لإصلاحات معطلة. ومن جملة هذه الملفات الكهرباء والتدقيق بحسابات مصرف لبنان واتخاذ قرارات مهمة.
ومن المتوقع ان يتجه مجلس الوزراء نحو تعيين مجلس إدارة وطلب من مجلس النواب تعديل القانون رقم 462 المعني بتنظيم قطاع الكهرباء، ويندرج هذا المطلب في صلب الشروط التي يطرحها صندوق النقد الدولي. أقر هذا القانون العام 2002 بهدف تنظيم قطاع الكهرباء وهناك توجهات عدة بخصوصه منها تعيين هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء، هدفها وضع قواعد ومعايير لتحكم القطاع على ان تقترح الهيئة وتراقب تنفيذ المقترحات وتكون مستقلة عن الوزير، ومن صلاحياتها منح التراخيص على ان تكون هي صاحبة القرار. لطالما كانت صلاحياتها موضع خلاف سياسي بين مؤيد لاستمرار صلاحياتها كاملة ومن يرغب بحصر هذه الصلاحيات بالوزير، بما يجعل دورها استشارياً فتصبح مجرد هيئة تابعة للوزير الذي له ان يأخذ برأيها أو يخالفه. وينطلق اصحاب فكرة منح صلاحياتها للوزير من منطلق انها تتعارض مع صلاحيات الوزير في الدستور، وهو ما يراه المعارضون منطقاً غير سليم لاعتبار أهم ان صلاحيات الوزير هي ادارة مصالح الدولة وتطبيق القوانين والانظمة، وليس إناطة كل المسؤوليات بشخصه مع ضرورة وجود هيئة مستقلة وإلا كان العمل عرضة للتغيير مع تغيير كل وزير، ما يلغي استمرارية القطاع واستقرار عمله في دولة يبلغ متوسط عمر الحكومة فيها أقل من سنة (خلال 75 سنة تغيرت 75 حكومة).
وثمة وجهة نظر يقولها المعنيون بهذا القطاع تنفي حتمية الربط بين تعديل القانون وتعيين الهيئة الناظمة، فبالامكان تعيين الهيئة قبل تعديل القانون. وفي حين بقيت الاسماء المقترحة لتعيين مجلس ادارة الكهرباء طي الكتمان تخوف المعنيون بالملف من أن يقتصر التعيين على مجموعة مستشارين، كان تمّ تعيينهم منذ العام 2010 ولغاية العام 2019 مقابل ملياري ليرة سنوياً في احدى الشركات، التي توقفت أخيراً عن تسديد رواتبهم. ويستغرب المعنيون ان تتم التعيينات فيما آلية التعيين التي أقرت في مجلس النواب لم تنشر بعد في الجريدة الرسمية، وكأن الحكومة تريد بت الموضوع بعد ان أصبح مصيرها على محك التغيير.
الموضوع الذي كان مثار جدل سياسي وكباش بين “التيار الوطني الحر” و”حركة امل” على امتداد الفترة الماضية، سيطرح مجدداً غداً فهل تمّ تجاوز الخلاف بشأنه خلال اجتماع بري – باسيل؟ والملف الآخر البالغ الحساسية والذي سيعاود طرحه مجدداً التدقيق المحاسبي في حسابات مصرف لبنان ولكن تحت مظلة اتفاق سياسي مسبق شهدته عين التينة خلال اجتماع بري – باسيل الاخير. يتخوف بري ان يشكل التدقيق المحاسبي مدخلاً جديداً لإقالة يعارضها لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. له رأي يقول ان خطوة كهذه قد تجعل ارتفاع سعر صرف الدولار بلا سقف محدد. لكن المباحثات أفضت الى إقناعه بحرص القوى السياسية على احترام موقفه وتعده بطي صفحة إقالة سلامة، لكن ألا يمكن للحاكم ان يساهم في الحد من التدهور المالي الحاصل بطريقة ما؟ موضوع أخذه بري للمرة الثانية على عاتقه ما يضع حاكمية مصرف لبنان امام مسؤولياتها وتنفيذ الوعود بضبط سعر الصرف، ولذا فمن هو على المحك هو مصرف لبنان لإظهار مدى قدرته على ضبط التفلت الحاصل. تعيينات وقرارات مهمة للحكومة مردها إلى اتفاق سياسي على ازالة الالغام من امام عملها، لعلها تبلي بلاء حسناً يسعفها في الآتي من الايام، تبلور خلال اجتماع بري باسيل بمباركة “حزب الله” الذي لا يزال يرفع البطاقة الحمراء في وجه تغيير الحكومة. وكما اجتماع الحكومة على المحك كذلك الاتفاق بين الفرقاء الاساسيين الممثلين فيها.
وتقول مصادر مسؤولة هنا إن فشل الحكومة في امتحان إجراء الإصلاحات وفشل مصرف لبنان بامتحان ضبط الدولار من شأنهما أن يفتحا على مرحلة جديدة. ومثل هذا الكلام يعني ضمنياً ان الثنائي الشيعي كما “التيار الوطني الحر” منحا الحكومة فترة تضعها على محك تنفيذ الوعود بالاصلاحات والضغط على رئيس الحكومة لحثه على التقدم بخطوات على هذا الصعيد، وإلا يصبح صعباً على الجميع تغطية استمرار الحكومة.