قبل منتصف الاسبوع المقبل لا يمكن الجزم في ما إذا كانت المفاوضات الجارية بين وفد صندوق النقد الدولي من جهة ولبنان من جهة أخرى ستستأنف. فليس صحيحا الحديث عن وقف هذه المفاوضات او تعليقها لفترة طويلة انما تم تجميدها لفترة يبقى توقيت انهائها في يد الجانب اللبناني. فالوفد الاجنبي ينتظر قدرة لبنان على طرح ملف يمكن ان تستانف على اساسه هذه المفاوضات.
قبل اسبوعبن تقريبا جمدت المفاوضات بعد ايام على انعقاد اللقاء الرابع عشر بين الجانبين ولفترة امتدت حتى جمدت الاجتماعات للمرة الثانية اول من امس الخميس. وتخللها لقاءان احدهما يتيم عقد بالوسائل الالكترونية وجمع وفد الصندوق باعضاء لجنة تقصي الارقام النيابية التي شكلها مجلس النواب غداة تسليم تقريرها النهائي عن حسائر القطاع المصرفي معدلة الى رئيس مجلس النواب نبيه بري بما فيها من ارقام جديدة قدرت لخسائر مصرف لبنان والقطاع المصرفي بالإضافة الى كيفية توزيع الخسائر…. وإجتماع آخر مع الوفد اللبناني المفاوض لم تكن له اي نتائج عملية بعد تعليق البحث بحجم الخسائر وارقامها.
وتقول مصادر نقدية ومالية لـ “المركزية” انه ليس سرا ان الاجتماع الرابع عشر الذي الغي قبل ساعات قليلة على موعده كان مقررا للبحث في مشروع وعد الجانب اللبناني بطرحه على المفاوضات وهو يتصل بالقانون الخاص بـ “الكابيتال كونترول” والذي لم يوفَق باحضاره الى طاولة المفاوضات مع الصندوق ولم تستأنف اللقاءات قبل ان يطلب الجانب اللبناني ذلك.
وكما كان مقررا فان البحث في استنناف الاجتماعات بقي رهنا بالوصول الى مرحلة توحيد ارقام الخسائر التي كان الفريق الحكومي يضع اللمسات الأخيرة عليها قبل ان يتدخل مجلس النواب لاعادة تقييم الموقف ووضع تقرير مفصل في اعقاب الإعتراضات التي صدرت عن جمعية المصارف ومصرف لبنان واتهام من وضع الخطة الحكومية بانها تسعى الى “تصفير” موجودات المصارف ومصرف لبنان واعتبار جميع ديونها هالكة رغم وجود الكثير من الضمانات التي تحمي نسبة كبيرة منها. وهو ما يحميها من كونها على لائحة الديون “المشكوك باستعادتها” عدا عن استبعاد تكبيد الدولة اللبنانية والحكومة اي نسبة من الخسائر المقدرة واللجوء الى الهيركات على اموال المودعين وبنسبة عالية من قيمة سندات اليوروبوند المستحقة بنسبة تقارب الـ 60 % منها.
وعلى وقع الخلاف القائم حول الارقام والانقسام القائم بعد صدور نتائج لجنة التحقيق النيابية التي انتصرت لارقام المصارف ومصرف لبنان، عادت الحيوية الى خط المفاوضات بين الصندوق والوفد اللبناني فاعيدت جدولة الاجتماعات الى ان اصطدمت مجددا باستحالة التفاهم على توحيد ارقام الخسائر فالتقى وفد الصندوق باعضاء اللجنة النيابية فوقع الخلاف مجددا حول الارقام فجمدت اللقاءات من جديد من دون التفاهم على موعد مقبل لها.
وفي المعلومات ان وفد الصندوق وبعد ان رفع الاجتماع الأخير ابلغ الجانب اللبناني انه ينتظر إشارة منه لاستئنافها في اي وقت شرط ان يكون للجانب اللبناني ما يمكن البحث فيه. مع العلم ان الجانب اللبناني الذي فقد عددا من اعضائه وفي مقدمهم المدير العام لوزارة المال الان بيفاني بعد استقالة مستشار وزير المال هنري شاوول جرى تعزيزه بخبراء جدد في شؤون النقد والمال وفي آلية العمل التي يعتمدها صندوق النقد في المفاوضات مع لبنان.
وفي هذه الأجواء جدد مفاوضو الصندوق الدعوة الى البدء بالاصلاحات المطلوبة فهي كثيرة وعلى اكثر من مستوى واهمها كيفية الخروج من فوضى اسعار صرف العملات الأجنبية التي تعددت اشكالها الى درجة لم يشهد اي بلد مثيلا لها. وشدد احد اعضاء الوفد على اهمية تحريره باسرع وقت وترك السوق يحدد القيمة الفعلية للدولار في عملية قد لا تطول تجربتها لأكثر من اسبوعين او ثلاثة من اجل وقف المهزلة الدائرة في البلد ايا كان السعر الذي يمكن ان تسجله التبادلات الطبيعية. وهو امر لا يحتاج الى ضخ الكثير من الدولارات لأنه من المهم وقف النزف الحاصل للدولار الذي يجري تهريبه الى الخارج او الى المنازل وخزنات الصيارفة طالما ان القدرة على التحكم به عملية صعبة.
ويقول احد الخبراء الذي شارك في اللقاء للمرة الاولى ان هذه الالية لا يمكن ان تستمر طويلا ما لم يصدر قانون “الكابيتال كونترول” الذي يعيد تنظيم السوق المالي وما لم تكلف الحكومة شركة محاسبة دولية لاعادة النظر سريعا بالأرقام فهي مهمة صعبة على اللبنانيين في ظل الخلافات المستحكمة بين المجلس النيابي وبين الحكومة.
ويضيف: لم يحصل في التاريخ ان اختلفت نظرة صندوق النقد ومعه نظرات مصرف لبنان ووزارة المال وجمعية المصارف حول قراءة الارقام توصلا الى تحديد الخسائر بـ “فوارق مذهلة”، بالإضافة الى ضرورة توحيد سعر الصرف ولو نظريا فلا يمكن لطرف ان يحتسب الخسائر على اساس الـ 1515 كسعر رسمي في ما يلجا آخرون الى رقم نظام “صيرفة” وآخر ينظر الى اسعار السوق السوداء غير المنتظمة وهو ما ادى في النتيجة الى خلافات في تقديرها بعشرات آلاف التريليونات من الليرات اللبنانية.
واخطر ما توصل اليه الخبير المالي اعترافه بان المفاوضات تجري في أسوأ الظروف وهو امر خطير لن يفيد لبنان لا بل فهو يهدد الوضع الى درجة لا يمكن احتساب نتائجها المادية وربما الأمنية بعد الاقتصادية والنقدية الى مرحلة لا يمكن احتساب نتائجها السلبية على البلاد والعباد.