كتب رولان خاطر في “الجمهورية”:
«المرحلةُ التي بلغناها تحملنا إلى توجيه هذا النداء: نناشد فخامة رئيس الجمهورية العمل على فكّ الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحرّ. ونطلب من الدولِ الصديقةِ الإسراعَ إلى نجدة لبنان كما كانت تفعل كلما تعرّضَ لخطر. ونتوجّه إلى منظَّمة الأمم المتّحدة للعمل على إعادةِ تثبيتِ استقلالِ لبنان ووحدتِه، وتطبيق القرارات الدولية، وإعلانِ حياده».
كلام يتوق اللبنانيون إلى سماعه منذ زمن على لسان البطريرك الماروني بشارة الراعي، لا بل يتوق اللبنانيون إلى أكثر. فعندما تُقفل كل الأبواب، يبقى باب السماء مفتوحاً، لذلك، يبقى الأمل دائماً في بكركي، والرهان على مواقفها ومبادراتها.
بكركي لم ترد التشويش على كلام راعيها، واشارت مصادرها لـ«الجمهورية»، إلى أنّه «من السابق لأوانه التكهن كيف سيترجم البطريرك الراعي كلامه. لكنّها لفتت إلى مراقبة عظات غبطته. فهناك مسيرة في وتيرة العظات وهي وتيرة تصاعدية وغبطته سيكمل بوتيرة التصعيد».
فالبطريرك يواصل تصعيده السياسي منذ فترة غير قليلة، عندما بدأ يشعر بأنّ لبنان دخل في مرحلة الانهيار الجدّي، والنبرة العالية مردّها الى الحفاظ على لبنان النموذج، الذي كان لبكركي دور تاريخي وأساسي في تحقيقه.
من هذا المنطلق، يقول مصدر سياسي لـ«الجمهورية»، إنّ «الراعي ينطلق من مواقفه من ثلاثة اعتبارات أساسية:
أولاً، حرص بكركي على دور لبنان التاريخي ورفضها ان ينهار، وأن يسقط وان تُضرب وتُنسف هذه التجربة.
ثانياً، تعتبر بكركي نفسها مسؤولة عن الثوابت الوطنية الكبرى، هي لا تتدخّل في الشأن السياسي اليومي، ولكن في المواضيع المتصلة بالمبادئ السياسية تحرص على الحفاظ على النموذج اللبناني، وهي التي ساهمت مساهمة أساسية بولادة لبنان الكبير أولاً، وبتغطية اتفاق الطائف ثانياً، وبالوصول إلى إخراج الجيش السوري من لبنان ثالثاً، لذلك لن تتهاون مع مسألة سقوط الدولة في لبنان.
ثالثاً، تهتم بكركي كثيراً في أنّ لبنان هو بلد التعايش والشراكة الإسلامية – المسيحية، وهو يشكّل هذه البقعة من التعددية والحرّية، لذلك ترفض أن يُصار الى ضرب هذا الوطن الرسالة، كما أطلق عليه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني».
ويضيف: «مواقف البطريرك بدأت بالتصاعد ربطاً بشعوره بحجم المخاطر المحدقة بلبنان، وهو بدأ يرفع السقف الوطني الذي يجب اعتماده. من هنا تركيزه على 3 نقاط اساسية: النقطة الأولى متصلة بقرارات الشرعية الدولية، اذ لا يمكن للبنان ان يكون بعزلة عن المجتمع الدولي، لأنّ القرارات الدولية لم تصدر إلّا من أجل أن تُطبّق، وتطبيقها يشكّل مصلحة لبنانية، وبالتالي يريد البطريرك تطبيق كل القرارات الدولية ذات الصلة، بما يضمن سيادة لبنان واستقلاليته وحريته.
النقطة الثانية، تحدث البطريرك عن انّ لبنان يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من الشرعية العربية، إضافة الى الشرعية الدولية، وهذا ما تنصّ عليه مقدّمة الدستور اللبناني. وبما انّ لبنان عضو مؤسس في الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة وفي شرعة حقوق الانسان، لا يجوز ان يكون خارج هذا المحيط، وبعيداً من هذه الثوابت.
أما النقطة الثالثة والأهم، فهي الحياد. الحياد للتذكير أنّ لبنان مع ميثاق 1943 قام على هذا المرتكز الأساس، «لا شرق ولا غرب»، ولبنان لا يمكن في ظلّ تعدديته إلّا ان يلتزم بالحياد. وهو ليس مسألة ثانوية انما مسألة كيانية ترتبط عضوياً بالبعد اللبناني، لأنّ لبنان من دون حياد يسقط. والدليل انّه في كل مرة ابتعد لبنان عن الحياد او النأي بالنفس سقط، وهذا ما حصل في حوادث 1958، وهو ما حصل في العام 1969، وبقي لبنان من دون دولة من الـ69 حتى يومنا هذا.
لذلك، لا يمكن ان تقوم قيامة للبنان من دون مبدأ الحياد. فهو يشكّل مسألة تكوينية كيانية جوهرية بنيوية في صلب النظام اللبناني. والبطريرك وضع الأصبع على الجرح، وانّ لبنان لا يمكن أن ينهض اذا لم يُصر إلى إعادة الاعتبار لمبدأ الحياد الذي شكّل انطلاقة لبنان الكبير، والجمهورية الأولى في الـ1943، لذا يجب ان يُطبّق فعلياً وليس بالأقوال فقط. فالأولوية يجب ان تكون للبنان وللقضية اللبنانية».
كلام الراعي أعاد إلى الأذهان «لقاء قرنة شهوان»، والدور الذي قام به، خصوصاً أنّه بدأ مسيحياً وتوسّع ليشمل المكوّن الشريك في الوطن، ولولا هذا الالتحام المسيحي- الاسلامي لما كانت ثورة الأرز. ووسط الأزمات التي يمرّ بها لبنان حالياً، يتمنى قسم كبير من اللبنانيين خروج مبادرة او لقاء شبيهاً بـ»لقاء قرنة شهوان» تقوده بكركي مع الفاعليات الاسلامية، ويكون وسيلة إنقاذ للبنان.
يقول المصدر السياسي: «المسألة اليوم تختلف عمّا كانت عليه في العام 2000. لكن، صوت بكركي صوت مدوٍ الى جانب قوى سياسية أخرى، وهذا كافٍ ويشكّل بحدِ ذاته إلى جانب دينامية الناس دينامية تغيير حقيقية».
ويضيف: «كلام البطريرك هو رَفعُ غطاءٍ كلي عن السلطة السياسية بكل رموزها وأركانها. ويضع خريطة طريق في هذا المجال. وهو كان قال بدعوته سابقاً لتأجيل الحوار لضرورة وضع جدول أعمال من طبيعة وطنية. وبالتالي، واضح انّ بكركي اليوم على خطى البطريرك صفير بالأمس، وعلى غرار ما اتجّه إليه البطريرك مار نصرالله بطرس صفير إلى تحرير لبنان من الجيش السوري، يتجّه الراعي اليوم الى إعادة الاعتبار للبنان وتطبيق القرارات الدولية وإعادة الاعتبار للحياد، وصولاً إلى قيام الجمهورية».