كتب عمار نعمة في صحيفة “اللواء”:
كأنه لم يكفِ اللبنانيين معاناتهم متعددة الأوجه، معيشياً واقتصادياً وحياتياً وحتى أمنياً، حتى أضيفت معضلة الكهرباء المتفاقمة الى همومهم، بينما يشرع مجلس الوزراء في دخول متأخر جداً على الملف مع انتظار تعيين أعضاء مجلس إدارة كهرباء لبنان، وهو ما تم التمهيد له، ضمن سلّة قضايا أخرى، في لقاء عين التينة قبل أيام.
سبب الأزمة المتفاقمة مع عدم توفر الكهرباء حتى في العاصمة بيروت سوى لساعات عدة، هو انقطاع مادة الفيول بعد أن قام القضاء بالحجز على الباخرتين اللتين استقدمتا الى لبنان. هي قضية «عدم تطابق» بين طبيعة حاجة المعامل في لبنان والفيول المستورد، والتي أدت الى اتهامات بالفساد متعددة الأوجه دفعت بالشركة العملاقة الجزائرية «سوناطراك» التي وقع لبنان معها لاستيراد الفيول، الى التلويح بفض العقد المستمر منذ 14 عاما مع الحكومة اللبنانية، بعد «التشهير» بها واتهامها بالفساد.
يؤكد المعنيون أن الأزمة لن تطول وهي لن تؤدي الى العتمة الشاملة، وعُلم على هذا الصعيد بأن تفريغ الشحنات لدى لبنان قد بدأ فعلا منذ أيام لكن عبر آلية متوازنة وبكميات غير واسعة خشية التهريب الى خارج الحدود اللبنانية.
ومن شأن تقنين كهربائي كهذا أن يؤدي بدوره الى مشكلة كبيرة مع أصحاب المولدات الذين لجأوا فعلاً الى تقنين مواز يتصاعد مع الوقت لفقدان مادة المازوت ولعدم قدرتهم الدائمة على الصيانة، وقد لجأ الكثير من هؤلاء أيضا الى محاكاة الارتفاع الكبير في الأسعار، لكي يبقى المواطن هو الضحية الدائمة.
ومع ترقب توقيت بدء زيادة ساعات التغذية الكهربائية، اتخذ القرار أخيرا بتعيين مجلس إدارة كهرباء لبنان ومعه أعضاء الهيئة الناظمة في القطاع، وذلك تحت عنوان «تنظيم قطاع الكهرباء».
وكان لافتا للنظر أن اقتراحات غجر بالأسماء للتعيينات والتي باتت معروفة وتسللت الى الاعلام منذ أمس الاول، لا تقوم على أساس مقاربة قانون آلية التعيينات الذي أقره مجلس النواب، ما شكل مادة دسمة للهجوم عليها. والواقع ان غجر لم يهمل تماماً الجانب القانوني في آليته لاختيار الاسماء الـ 18 من الطوائف الست الكبرى من بين عشرات المرشحين الذين عرضوا على لجنة من كبار الإداريين وأصحاب الشأن وقانونيين، قبل إجراء المقابلات معهم ومن ثم اختيارهم من قبل مجلس الوزراء.
لقاء عين التينة يضع الأسس
على أن الأمر تطلب تفاهمات بين أركان السلطة، ومن ضمنها تأتي اللقاءات التي باتت في عرف اتخاذ القرارات الحكومية، وأهمها اليوم اجتماع عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس «التيار الوطنر الحر» جبران باسيل.
وبالنسبة الى اللبنانيين، فإنهم يقعون بين حدّين هنا. هم يريدون حلاّ مستداما للواقع الكهربائي المزري، لكنهم يمقتون التفاهمات التحاصصية على أساس طائفي ومذهبي. ومن ناحية الطبقة السياسية، أو ما يحلو للكثير من منتفضي الساحات وضعه تحت إطار «منظومة السلطة»، فإنها تستمر في تجاهل وقع تاريخ 17 تشرين على البلاد.
في كل الأحوال يشير المعنيون في الأمر الى أن التقنين في شكله الحالي لن يستمر طويلاً، خاصة وأن ذلك سيدفع الى تصاعد كرة الثلج في الشارع على وقع التهاب البلد بحرارة الصيف. وفي الوقت الذي سيشكل فيه قرار التعيينات الكهربائية في الحكومة خطوة في رحلة الألف الميل التي يطلبها صندوق النقد الدولي الذي يمثل فساد الكهرباء حجر الرحى في أية مفاوضات مثمرة معه في ظل طلب دولي في الاصلاح غير قابل للاهتزاز، فإن هذه التعيينات التي تستجيب لـ«مقتضيات الوفاق الوطني»، أي التحاصص الطائفي السياسي، قد لا تحصل على رضى الغرب الذي بات عالماً بألاعيب السياسيين اللبنانيين وهو يطلب حلاّ دائماً لموضوع الكهرباء لا يعتمد فقط على قدوم البواخر وقد تم لحظ هذا الأمر خلال مؤتمر «سيدر» قبل عامين.
إلا أن لقاء عين التينة وما سيليه من لقاءات دورية، سيشكل مفتاح تفاهمات مستقبلية بعلم حلفاء الطرفين، وهو ما سيفسر ظفر الجانبين بالحصة الكبرى في التعيينات المرتقبة. ويشير مراقبون الى أن الهجوم المتصاعد على باسيل من قبل أطراف كـ «القوات اللبنانية»، يأتي في إطار استئثاره كما هي العادة بالمراكز المسيحية كما حصل في التعيينات المالية، في موازاة منع تشكيلات أخرى لم تحصل على رضاه كتلك القضائية.
وفي جانب آخر، فإن ما يحصل يعني التفاهم على دعم الحكومة الحالية، بكل عللها، عبر التخلص من ملفات قد تفجرها من الداخل ويحضر في هذه اللحظة السياسية الملف المتعلق بالتدقيق المالي.
ورغم أن الاستقرار على إسم شركة «كرول» تطلب أشهرا من البحث، إلا أن التدقيق على ما يبدو سيتطلب جهدا أكبر مع استبدالها بشركة أخرى. ويردد بعض العارفين بأن بري لم يكن المعترض الوحيد عليها، بل «حزب الله» أيضا الذي لم يكن على علم بهوية من فيها، لكن السؤال يبقى متعلقا بما إذا كان هذا الامر سيطاول أية شركة قد تتصدى لواقع التدقيق المالي وما إذا كان هذا الموضوع حاصلا على موافقة السياسيين في الأساس.