كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
كان المتوقع أن تخرج جلسة الحكومة بقرارات مصيرية جريئة وحاسمة لكن ما نتج عن جلسة الأمس ينذر بأن التأزم السياسي لا يزال يعترض الذهاب نحو خطوات كبرى للمعالجة المالية والإقتصادية أو الإصلاحية تؤمن إعادة انطلاق مبنية على الثقة للمفاوضات مع صندوق النقد. لكن جل ما خرجت به الجلسة هو تعيين مجلس ادارة لكهرباء لبنان فيما لم يتخذ اي اجراء من شأنه معالجة ارتفاع سعر صرف الدولار، ولا اطلقت اليد لعملية التدقيق المالي التي أجّل البت بها الى حين التأكد من أن الشركة الجديدة المؤهلة للمهمة ليس لها علاقة باسرائيل. مضيعة للوقت وانعدام مسؤولية ولامبالاة بحال الناس. صدقت فيروز في ما قالت “الرعيان في وادي والقطعان في وادي”.
يجري كل هذا في وقت يشد الاميركيون الخناق أكثر على لبنان بقرار وقف أي مساعدات خارجية خشية أن تستفيد منها الحكومة، لدرجة الإيعاز الى إحدى المؤسسات الاميركية بتوزيع مساعدة نقدية وقدرها 200 دولار لعدد من العائلات الفقيرة، أما القروض والتسهيلات المالية المطلوبة فأمرها مرتبط بصندوق النقد الدولي. في حين ان التفاوض مع صندوق النقد متعثر لارتباطه بجملة شروط لم توضع على سكة التنفيذ بعد. خلال لقاء جمعهما سأل أحد النواب وفد صندوق النقد “بغض النظر عن الارقام وصحتها وبكل صراحة اذا غابت الإصلاحات فهل سيكون برنامج الصندوق الى جانب لبنان. فكان جوابه: “لا طبعاً”. ما يعني ان غياب الاصلاحات سيؤخر المفاوضات هذا في حال عادت للإنطلاق مجدداً. والمقصود بالإصلاح هنا من وجهة نظر صندوق النقد هو ذاك الإصلاح الهيكلي الحقيقي الغائب عن خطة الحكومة الاقتصادية والذي يتم إغفاله ولم ترسل الحكومة أي مؤشر حتى اليوم اليه ما دفع الامور نحو الاسوأ. يرى أحد المعنيين مباشرة بملف التفاوض مع صندوق النقد ان جملة معطيات سلبية تكونت لدى الوفد المفاوض أثّرت سلباً على مسار المفاوضات. ويعود بالرواية الى بدايتها حين كان أغلب الظن أنها حكومة مستقلة الى حين لجأت الى التصويت في موضوع الكهرباء الذي صب لغير صالح أولوية معمل سلعاتا ثم أعيد طرحه مجدداً مع منح صلاحيات التفاوض لرئيس الجمهورية ليكون ذلك أول المؤشرات السلبية الذي لا يصب في صالح سمعة الحكومة.
المؤشر السلبي الثاني كان رد التشكيلات القضائية في أوج المطالبة باستقلالية القضاء التي تندرج كشرط أساسي من شروط الإصلاح.
أما المؤشر الثالث فكان يوم جرت التعيينات خارج الآلية التي أقرها مجلس النواب فيما لم يوقعها رئيس الجمهورية ولم تنشر بعد في الجريدة الرسمية. ويشكل الهدر المستمر في قطاع الاتصالات المؤشر السلبي الرابع، والذي لا يختلف كثيرا عن الاستنزاف في ملف الكهرباء. كلها مؤشرات لا تشجع صندوق النقد وتبطئ من خطواته باتجاه المساعدة.
القرار السياسي الفاعل الذي تحتاجه الحكومة ضرب، من وجهة نظر المصدر عينه، مصداقية الحكومة ورئيسها وأفشل عملهما فلم يعد باستطاعتهما تجاوزه. كان يجب على رئيس الحكومة حسان دياب الاصرار على السير بالتعيينات بناء على آلية حتى لو لزم الامر خروجه من الحكومة. هي فرصة أضاعها.
وللإنصاف ليست المطالبة الدولية للبنان بالإصلاح حديثة العهد وتاريخها يعود الى عشرين سنة خلت، وتحديداً مع انعقاد مؤتمر باريس الاول يوم قال الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك للرئيس رفيق حريري لا يمكن ان نساعدكم الا بناء على إصلاحات تقوم بها الحكومة. وانصرف وقتها الى تجهيز البرنامج ودفتر الشروط لنيل مساعدات على أساسهما لكن التعطيل كان بالمرصاد. ولذا فمنذ العام 2002 لم يشهد لبنان اي إصلاح في الهيكلية وكل التركيز ينصب حالياً على صلاحيات الوزير وتعديلها لأغراض وأهداف مبيّتة، فيما الإصلاح الحقيقي هو إصلاح الهيكلية.
مثل هذه الاخفاقات ولّدت انطباعاً سيئاً لدى صندوق النقد الذي جمدت المفاوضات معه الى ان تصل الحكومة الى موقف موحّد في التفاوض. في رأي أحد المعنيين بالملف فإن مسألة الخلاف على الارقام ليست جوهرية بالقدر الذي يتم تصويره، والأهم هو عدم تقديم اي إصلاح وإغفاله عن الخطة المالية للحكومة. ليضيف انه لا جدال حول الخسائر وما جعل لجنة المال تتدخل ليس عدم وجود أرقام بل لأنها فوجئت بالخلاف داخل الوفد اللبناني المفاوض على مرأى ومسمع وفد صندوق النقد. وبدل ان يذهب الوفد للتفاوض بشراسة انقسم على ذاته ولذا “حاولنا تقريب وجهات النظر”. يؤكد المصدر المعني أن المفاوضات حالياً “مرهونة بجملة شروط منها: موقف موحد للوفد اللبناني، حصر المفاوضات بوزير المالية، اعطاء خطوات من شأنها ان تعكس جدية في عملية الإصلاح وإقرار قانون الكابيتال كونترول”.
وعلى أساس هذه النقاط يمكن ان يصحح مسار التفاوض مع صندوق النقد الذي يحتاجه لبنان لجملة أسباب من بينها:
– ضخ اموال نقدية لا يؤمّنها سيدر بل صندوق النقد لدعم ميزان المدفوعات.
– تسهيل فتح أبواب أخرى امام لبنان لطلب المساعدة.
– الاتفاق مع الصندوق يشكل ضمانة للإصلاحات لأن طريقة تنفيذ برنامجه تسير يداً بيد.
– لا يمكن للبنان التفاوض مع حاملي اليوروبوندز من دون اتفاق مع صندوق النقد.
ويتحدث المعنيون عن محاولة جدية لفتح خط جديد للتفاوض مع صندوق النقد بوصفه الباب الوحيد الذي قد يؤمن انتقال لبنان من الانهيار لكن ليس قبل الشروع بإصلاحات فورية قد لا يكون سقفها تعيينات بسيطة وسد فراغات من هنا وهناك. دقت ساعة الحقيقة وحصل الانهيار ولا يمكن العودة عنه بكبسة زر، فيما لا توجد قرارات تؤشر الى وجود خطوات او قرارات تسعى الى تغيير المسار واعطاء إشارات ايجابية مهمة. الإصلاحات من امام الحكومة والانهيار من خلفها فإلى اين المفر؟