كتب ريمون ميشال هنود في “اللواء”:
أضع هذا المقال بين أيدي القرّاء الكرام والذي استندت في كتابته إلى تحقيق قامت به مؤسسة الفكر العربي لأجعل كل قارئ يدرك لمَ شنت واشنطن حرب العقوبات المدعومة بقانون قيصر على لبنان، ولكي أجعله يدرك لمَ الاصرار مستمر على نزع السلاح المقاوم حتى لو كان هذا المقاوم ماركسياً أو قومياً عربياً، فبالنسبة لواشنطن دين المقاوم هو المقاومة والمقاومة ليست واردة بالنسبة لعاصمة تدعي أنها تريد بناء العالم الحر لكن ضمنياً ما تسعى اليه هو بناء حكومة السيطرة الأحادية القطب على ثروات وخيرات ومقدرات كل دول المستديرة، وعدوانيتها تجاه مواطنيها أصحاب البشرة السوداء أبناء المناضل مارتن لوثر كينغ تثبت صحة تحليلي.
تعود قصة لبنان مع النفط والغاز إلى زمن حكومة الاستقلال الأولى حين استقدمت شركة نفط العراق للتنقيب عن النفط و الغاز في البر اللبناني ومن ثم في البحر. فالشركة المذكورة قامت بحفر العديد من الآبار كان أهمها بئر تقع في منطقة جبل تربل شمال مدينة طرابلس، لكن الشركة ولأسباب قاهرة كما أفادت أعلنت عن توقف الحفر بعد أشهر قليلة، وقد أماط اللثام فيما بعد عن هذا التوقف الباحث ريمون عطا الله عندما أكد أن الفرنسيين هم وراء ايقاف عملية التنقيب عن الثروة النفطية بناء على ضغط اسرائيلي عليهم، وقد اعترفوا بأن اسرائيل تأبى جعل أي دولة مجاورة لها في التحول إلى دولة غنية قادرة على بناء نفسها وقدراتها.
في العام 1970 تقدم البروفيسور توماس غودبليه، أستاذ الفيزياء والجيولوجيا في الجامعة اللبنانية، بمذكرة علمية يقول في مطلعها إلى من يهمه الأمر من أركان الدولة اللبنانية لقد عثرنا على نفط في الحوض المترسب والمغمور بالمياه وعلى مساحات شاسعة من الشواطئ اللبنانية، والنفط يقبع على عمق يتراوح بين الألف متر والثلاث آلاف متر، وأن الذهب الأسود سيتوفر بكم هائل وتجاري وسيحول لبنان إلى وطن نفطي غني وقوي.
وبعد سنتين أي في العام 1972 تقدم الدكتور زياد بيضون رئيس دائرة الجيولوجيا في الجامعة الأميركية بدراسة علمية مفصلة تبين انبلاج فجر بحور من الغاز والنفط تحت قاع المياه البحرية اللبنانية، ويدعو إلى استخراجها واستثمارها على وجه السرعة، وقد أبدى الرئيس اللبناني حينها سليمان فرنجية رحمه الله في العام 1975 اهتماماً كبيراً في الموضوع، فطلب من الدكتور بيضون اعداد مذكرة علمية مفصلة بالمسح الجيولوجي والنفطي للمياه الإقليمية.
لكن الحرب الاهلية التي اندلعت في 13 نيسان 1975 حالت دون السماح للشركات الأجنبية بالتنقيب، وبالتالي يكون لبنان أثنائها قد فقد امتيازاً كان سيجعل منه بلداً نفطياً غنياً منذ عقود طويلة، وفي العام 1996 أتت شركة سبيكتروم البريطانية واستطلعت المياه الأقليمية والاقتصادية اللبنانية بعدما حازت على أذن من سلطات البلاد. وعقب اكتشافها بأن الجرف لجهة لبنان مفعم وزاخر بالكنوز الهائلة من الغاز والذهب الأسود أوقفت عملها وغادرت لبنان بعدما رضخت لضغوط اسرائيلية هائلة.
وفي هذا الاطار يقول الخبير النفطي السوري جيلبير الياس أن جماعة سبيكتروم البريطانية تلقت تهديدات اسرائيلية سرية تدعوها إلى الكف عن العمل في المياه الإقليمية وطلبت اسرائيل منها اعلامها بالأرقام الهائلة التي يحويها القعر اللبناني من الغاز والنفط وخصوصاً في الجزء الشمالي فيه، وهذه الأرقام لم تكن تعرفها إلا اسرائيل والشركة البريطانية فقط.
أما لماذا سعت اسرائيل إلى الضغط سراً على الحكومة البريطانية لتجميد عمل شركة سبيكتروم؟ فنجد الجواب عند الدكتور الياس أيضاً إذ أنه يقول ليس من مصلحة اسرائيل إلا تجميد عمل الشركة لأن دوائر الطاقة الاسرائيلية تهدف إلى الاستيلاء على الثروة الطبيعية اللبنانية النفط والغاز بوسائل عدة ومنها الحفر الأفقي تحت قطاع البحر.
وغداة انسحابها من لبنان في العام 2000 بدأت اسرائيل جدياً عمليات المسح للجرف البحري شرق الأبيض المتوسط بأكمله فتبين لها بعدما استخدمت الأقمار الاصطناعية الاميركية بأن حوض النفط يمتد بطول 61 كلم ضمن الحدود البحرية لفلسطين المحتلة وبطول 120 كلم قبالة الشواطئ اللبنانية وأقرب نقطة إلى جزيرة قبرص ويصل إلى خمسين كيلومتر.
أما الأرقام الحقيقية للمخزون النفطي والغازي لهذا الجوف البحري المتوسطي فلا تزال طي الكتمان عن قصد من الطرف الاسرائيلي مخافة اثارة الانتباه وللتغطية على ما بدأت بالاستيلاء عليه من الحقول النفطية والفلسطينية لجهة قطاع غزة.
تقول شركة نوبل انرجي الاميركية المعنية بمسح الطاقة واستخراجها والتي لها حصة كبيرة في الحقل المكتشف في الحوض المتوسط، ليفياثان تقدر وحده ب 39.66 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ويقول الخبير النفطي الدكتور علي حيدر أن ربع ثلث حقل ليفياثان على الأقل يقع في الجانب اللبناني ما يعني أن اسرائيل سال لعابها وفتحت شهيتها بالكامل على سرقة كل ما يحتوي هذا البئر من كنوز والذي يعتبره رئيس مجلس ادارة شركة نوبل انرجي تشارلز ديفيدسون البئر الأهم بين آبار الغاز الطبيعية المكتشفة حديثاً في العالم.
ويرجح ديفيدسون وجود 2.6 حقل نفطي يستحوذ على الاهتمام الإسرائيلي، وبالتالي منع لبنان من أي نوع من أنواع المطالبة بحقوقه في هذا الحقل وغيره، وقد هدد نتنياهو قائلاً إن هذه الموارد الطبيعية أي حقول الغاز بأجمعها هي هدف استراتيجي كبير ومهم بالنسبة لنا وسوف نمنع أعداء اسرائيل من النيل منها.