كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
يحاول لبنان ان يُمسك بأي «قشة» لتجنّب الغرق في «محيط» الأزمة الاقتصادية المالية الخانقة. المهم الآن هو ان يبقى عائماً على سطح المياه، أما الوصول إلى شاطئ الأمان فمسألة مختلفة وتحدٍ آخر.
يخوض اللبنانيون «معركة البقاء» باللحم الحي، وسط ضغوط خارجية قاسية تعكس حدّة النزاع الممتد من ساحات المنطقة الى بيروت، بين واشنطن وخصومها.
ويأتي تفاقم تلك الضغوط، المزودة بـ»رؤوس متفجرة» اقتصادياً ومالياً، في سياق واحد من احتمالين: إما استمرار التصعيد الى اقصى الحدود الممكنة حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد اشهر قليلة لتحسين شروط دونالد ترامب في حلبتها، وإما التمهيد لتسوية معينة خلف الكواليس الدبلوماسية، على قاعدة احترام المصالح المتبادلة وتدوير الزوايا في انتظار الحلول النهائية.
واذا كان حشرُ الرئيس حسان دياب في الزاوية الضيّقة قد دفعه الى الاستدارة نحو تعزيز التعاون مع الشرق عبر بوابته العريضة المتمثلة في الصين، فإنّ هناك من يلفت الى انّ قراره العابر لـ»ستاتيكو» التوازنات التقليدية، ربما يدفع الولايات المتحدة الى الاقتناع بضرورة عدم إقفال كل شرايين الجسم اللبناني المتعب، وبالتالي ترك ممر لتسرّب بعض الدم الى أعضائه، بطريقة تبقيه على قيد الحياة، انما من دون أن يتعافى ويستعيد توازنه.
وبناءً عليه، لا يستبعد أصحاب هذا الاستنتاج ان تكون زيارة الوفد الوزاري العراقي الى بيروت اخيراً قد تمّت بموافقة او بغض طرف من واشنطن، للحؤول دون ارتماء الدولة اللبنانية كلياً في أحضان بكين، لاسيما انّ هناك حساسية مفرطة لدى الولايات المتحدة حيال اي تفاهمات اقتصادية استراتيجية مع العملاق الصيني، يمكن ان تشكّل خطراً على مصالحها الحيوية.
وللدلالة على حجم التحسس الأميركي إزاء محاولات إعطاء مساحة اكبر للحضور الصيني في المنطقة، يلفت احد المطلعين الى انّ وزير الخارجية مايك بومبيو لم يغادر الولايات المتحدة طيلة أزمة كورونا، الّا مرة واحدة فقط، عندما زار تل أبيب للضغط عليها بكل الوسائل، حتى تلغي ثلاث اتفاقيات محورية مع الصين تتعلق باستثمار تحلية مياه وبتوسعة ميناء حيفا وتحديث شبكة الاتصالات الإسرائيلية.
ووسط الحصار المضروب على لبنان، وفي ظلّ امتناع دول الخليج عن دعمه منذ سنوات، كان لافتاً في هذا التوقيت تحديداً استقبال الرئيس نبيه بري السفير الكويتي لدى لبنان عبد العال القناعي، وقوله بعد اللقاء انّه يأمل بخير قريب. فماذا دار بين الرجلين وما الذي دفع رئيس المجلس الى إطلاق هذه الإشارة الايجابية، وسط «الظلام» المتعدّد الأبعاد؟
تفيد المعلومات، انّ بري كان مرتاحاً جداً الى ما سمعه من القناعي، الذي اعتبر انّه لا يجوز ترك لبنان لوحده في هذه المحنة التي يواجهها، بمعزل عن المسائل السياسية والخلافات في شأنها.
واستعاد القناعي خلال اجتماعه مع بري الموقف التاريخي الذي اتخذه لبنان بالإنحياز الى الكويت والوقوف الى جانب قيادتها وشعبها بعد غزو صدام حسين لأراضيها. كذلك لفت الى الدور الكبير والنوعي الذي أدّاه اللبنانيون عبر مراحل عدّة للنهوض بالخليج واعماره، تحت أصعب الظروف، وكأنّه بلدهم.
واكّد انّ الكويت ستسعى في اتجاه اقناع الأشقاء الخليجيين بضرورة عدم التخلّي عن لبنان في ظلّ هذا الوضع المعقّد الذي يعاني منه.
على خط آخر، كان بري يعقد الاسبوع الماضي «لقاء تأسيسياً» مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، تجاوز حدود التفاصيل الإجرائية الى رسم قواعد ناظمة لمجمل العلاقة الثنائية في المرحلة المقبلة، بعدما استشعرا انّ الظروف الراهنة الاستثنائية لم تعد تتحمّل استمرار الحساسيات التقليدية بين التيار الحر وحركة امل داخل مؤسسات الدولة وخارجها.
ويُنقل عن بري تأكيده في هذا المجال، انّه وباسيل لن يسمحا للمتضررين بزعزعة ركائز تفاهمهما والتشويش عليه، «وما حدا يجرّب يفوت بيناتنا»، مشيراً الى انّه «حتى إذا حصل تباين في المستقبل حول هذا الأمر او ذاك، فإنّ الاختلاف لا يجب أن يفسد في الود قضية».
ويشدّد بري على أنّ تفاهم عين التينة لم يتمّ على حساب احد، «بل انّه منصّة منفتحة على الجميع»، مشيراً الى ضرورة ان تتدرج مفاعيله شيئاً فشيئاً في اتجاه قواعد التيار والحركة.