عشية مئوية لبنان الكبير الذي كان البطريرك الياس الحويك عرّابه في العام 1920 مكرّساً صيغة العيش المشترك الفريدة، يحمل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي الى الفاتيكان في زيارته المتوقعة قريباً “مشروع تحييد لبنان” يقدمه الى البابا فرنسيس لكي تعمل دوائر الكرسي الرسولي على تسويقه لدى عواصم القرار والدول المؤثرة لاتّخاذ قرار دولي في هذا المجال.
فبعد مئة عام شهدت فترات استقرار وحروب مع تعديلات دستورية من دون ان تمسّ في جوهر لبنان 1920، يذهب سيّد بكركي الى حاضرة الفاتيكان وفي جعبته حياد لبنان الذي يُشكّل إستمرارية للبنان الكبير.
وينطلق مشروع الحياد من الميثاق الذي قام عليه لبنان عام 1943 “لا للشرق ولا للغرب” وأضيف اليه عنوان السياسة الخارجية لاحقاً “لبنان مع العرب اذا اتّفقوا وعلى الحياد اذا اختلفوا”، ثم “إعلان بعبدا” الصادر عن هيئة الحوار الوطني في بعبدا برئاسة الرئيس ميشال سليمان وباتت وثيقة دولية مُسجّلة في الامم المتحدة ولدى الجامعة العربية.
ولا يوفّر البطريرك الراعي مناسبة وعظة إلا ويُذكّر فيها باهمية تحييد لبنان عن صراعات المنطقة من اجل ضمان المحافظة على فرادته وصيغته المتعددة التي باتت مثالاً يُحتذى في دول عدة.
وهو يحرص ان يكون “بطريرك حياد لبنان” كما كان سلفه البطريرك الحويك “بطريرك لبنان الكبير” وكما كان البطريرك الكاردينال مار نصرالله صفير “بطريرك الاستقلال الثاني”. من هنا باتت الديمان “محجة” لعدد من الدبلوماسيين آخرهم السفير السعودي وليد البخاري والقوى السياسية للشدّ على يد الراعي للمضي في مشروع الحياد حتى النهاية وتحويله مطلباً دولياً.
ووفق معلومات “المركزية” يسعى البطريرك الراعي في الوقت نفسه لإنشاء مجموعة حكماء وعقلاء من مختلف الطوائف تكون الى جانبه لدعم مشروعه من دون ان يكون من بينهم من يطمح الى منصب سياسي او مركز في السلطة كي لا “يستغل” دعم بكركي للمشروع او قربه من البطريرك لتسويق نفسه سياسياً”.
ولهذه الغاية، يجري الراعي اتصالات مع المعنيين لوضعهم في صورة المشروع ومناقشته مع عدد من اصحاب الشأن، ويتواصل مع عدد من الخبراء في المجال القانوني والحقوقي لصياغة المشروع.
ويتسلّح البطريرك الراعي بدعم الفاتيكان لمشروع الحياد وتأييدها له إنطلاقاً من حرصها على المحافظة على هوية لبنان التعددية ودور المسيحيين في تثبيت هذه الهوية.
وفي الاطار، تلفت اوساط دبلوماسية عبر “المركزية” الى “ان عظة الراعي الاحد الماضي التي ناشد فيها رئيس الجمهورية “العمل على فكّ الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحرّ”، متوجّهاً إلى منظَّمة الأمم المتّحدة للعمل “على إعادةِ تثبيت استقلال لبنان ووحدته، وتطبيق القرارات الدولية، وإعلانِ حياده. فحيادُ لبنان هو ضمان وحدته وتموضعه التاريخي في هذه المرحلةِ المليئة بالتغييراتِ الجغرافية والدستورية. حيادُ لبنان هو قوّته وضمانة دوره في استقرار المنطقة والدفاع عن حقوق الدول العربية وقضية السلام، وفي العلاقة السليمة بين بلدان الشرق الأوسط وأوروبا بحكم موقعه على شاطئ المتوسط”، تعكس اجواء الفاتيكان الذي ابلغ وزير الخارجية ناصيف حتّي خلال زيارته الى روما ولقائه مسؤولين في الكرسي الرسولي “ان الكاثوليك لا يذهبون شرقاً بل غرباً”.
وتوضح الاوساط “ان مشروع حياد لبنان يلقى تأييداً من العرب ايضاً وهم يوافقون على نداء بكركي في هذا المجال، لان الحياد يؤكد تموضع لبنان الطبيعي ضمن اسرته العربية وخارج لعبة المحاور”.
ويُفضّل هؤلاء بحسب الاوساط، قيام تجمّع سياسي عريض يضمّ شخصيات مشهود لها بالعمل الوطني تكون الى جانب بكركي لتسويق المشروع وتحويله واقعاً.
وفي الختام، وفي ضوء الحركة الدبلوماسية للسفراء الخليجيين، لم تستبعد الاوساط “ان تتوّج هذه الحركة بتقديم مساعدة عاجلة للشعب اللبناني، خصوصاً بعد المواقف التي اتّخذها الراعي وتأييد شخصيات سياسية لها والتي تبيّن ان هناك تياراً لبنانياً يطالب بالحياد وبسياسة النأي بالنفس”.