تواصل السلطة اللبنانية ممارسة سياسة النأي بالنفس عن الإصلاح المنشود، وقد بدت علامات هذه السياسة “فاقعة” أمس مع إقدام رئيس الجمهورية على الطلب من المجلس الدستوري “إبطال القانون المتعلق بتحديد آلية التعيين في الفئة الأولى في الإدارات العامة وفي المراكز العليا في المؤسسات العامة” وهو ما يؤكد السعي لتكريس ذهنية “المحسوبية والاستزلام” في التعيينات الإدارية مقابل الإطاحة بالشفافية التي تفرضها الآلية الواجب اعتمادها في تعيين موظفي الدولة. فبعد طول تهميش لهذه الآلية التي أقرها مجلس النواب وتعمّد مجلس الوزراء تجاهلها في كل التعيينات التحاصصية الفضائحية التي أقرتها حكومة دياب، لم يجد عون بداً من جعل الرئاسة الأولى تتصدر جبهة إجهاض آلية التعيينات تماشياً مع رغبة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في التحرر من قيودها القانونية والدستورية، الأمر الذي لا شكّ في كونه سيعمّق الندوب في وجه العهد العوني بنظر المجتمع الدولي وسيكرس صورته الرافضة لاعتماد الإصلاحات اللازمة في سبيل إعادة استنهاض الدولة ومؤسساتها.
وفي سياق متصل بأداء “التيار الوطني الحر” الاستنسابي وغير المبدئي في سدة السلطة، برز أمس ما كشفته مصادر نيابية لـ”نداء الوطن” عن إمكانية اتجاه رئيس “التيار” نحو إجراء “مقايضة” بين قبوله بإقرار العفو العام مقابل ضمان حصوله على الأكثرية النيابية اللازمة لتمرير مشروع قانون الهيئة الناظمة للكهرباء في مجلس النواب بشكل يشرّع منح وزير الطاقة صلاحيات أوسع تخوله الهيمنة على أداء هذه الهيئة. وأوضحت المصادر أنّ “المعلومات المتوافرة في هذا المجال تشي بأنّ باسيل مستعد للتراجع عن موقفه المعارض لإقرار العفو العام في ظل ما يُنقل عن سعيه إلى استمالة بري نحو إجراء المقايضة بين إقرار هذا القانون وبين إقرار قانون الهيئة الناظمة بالصيغة التي يريدها، وذلك بالتوازي مع انكباب الحكومة على درس مشروع القانون تقنياً وسياسياً لرفعه إلى الهيئة العامة تمهيداً لتعيين أعضاء الهيئة”.