كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
لا يُسمّى الحديث الذي تتناقله وسائل التواصل الإجتماعي، وتتداوله الأوساط الطرابلسية والشمالية يومياً، عن قيام مجموعات تنسيق من الشباب في الأحياء والمناطق الطرابلسية، نوعاً من الأمن الذاتي، أقلّه بالنسبة إلى أبناء المنطقة. فبقدر ما تُمثّل هذه الظاهرة إندفاعاً من الشباب وأهالي المناطق لحماية أنفسهم ومُمتلكاتهم ومناطقهم، بقدر ما يجري التنسيق في شأنها مع القوى الأمنية، في زمنٍ غابت فيه الدولة عن القيام بأدنى مهامها حتّى مهام حماية الناس ومُمتلكاتها.
يحصل هذا الإندفاع الشبابي الطرابلسي في وقت تزداد فيه السرقات بشكل كبير، ويكاد لا يمرّ يوم، إلا وتسمع فيه حصول عشرات السرقات، خصوصاً في فترات الليل، في مناطق عدّة من مدينة طرابلس: في أبي سمراء، القبّة، محرّم، البحصاص وباب الرمل وغيرها. وتستهدف السرقات بشكل كبير، السيارات، الدراجات النارية، بطاريات السيارات ومسجّلاتها. كذلك تطال السرقات المنازل والشقق والمؤسسات التجارية. أما الجديد المُستجدّ في هذه الظروف، فيتمثّل في ظاهرة النشل الذي تتعرّض له سيدات في الشوارع، حيث تُنشل حقائبهنّ وأجهزة الهاتف المحمول، فيما تزداد مخاوف الناس من هذه الظواهر الغريبة على المجتمع الطرابلسي.
هذه الحالات المُستجدّة لم تؤدّ بالقوى الأمنية بعد، بحسب ما يؤكد الشهود، إلى تكثيف الإجراءات الأمنية اللازمة لردع هذه الظواهر والفلتان والتسيّب في الشارعين الطرابلسي بشكل خاص والشمالي بشكل عام، في وقت أحوج ما تكون فيه الأمور للأمن، والأمن الإستباقي منه أيضاً.
ولا يقف الأمر عند حدود مدينة طرابلس وحدها، فالسرقات تتفشّى بشكل كبير ومنذ أسابيع في مناطق عدّة من الشمال، لا سيما في محافظة عكّار، وقضاءي المنية والضنية، وقضاء الكورة. ما يحصل يدفع بالمخاوف إلى الواجهة. ففي عكّار تنتشر سرقة المنازل والسيارات على نحو واسع، والأهالي في مناطق الشمال ينتابهم الخوف من هذه الظواهر والتفلّت الأمني الحاصل. فلم يعد أحد يأمن على سيارته أو على بيته أو على أي شيء يملكه. وإذا قامت في عدد من أحياء طرابلس، لجان شعبية من الشباب أبناء الأحياء، بالسهر على أمنها وحمايتها، فإن اتّساع رقعة عكّار الجغرافية، وتداخل قراها وبلداتها، لا يسمح بقيام مثل هذه اللجان، في وقت تغيب فيه البلديات بشرطتها وحرّاسها، عن متابعة مثل هذه الأوضاع، خصوصاً وأن لا شرطة في كثير من البلديات، ولا حرّاس ليليين لدى معظمها.
عن هذه المستجدات في طرابلس والشمال، يقول الكاتب الطرابلسي جوزيف وهبي لـ”نداء الوطن”: “لطالما شكّلت طرابلس ومعها بعض الشمال، الخاصرة الرخوة في الإقتصاد اللبناني، بالرغم من توفّر مقوِّمات قوة طبيعية لم يجر استثمارها على مدى العقود الماضية. وجاءت التداعيات السياسية والإقتصادية الأخيرة لتدفع بأوضاع الناس الى حافة الضيق والإنهيار، وهو ما نرى ظواهره في صراخ الناس بأشكال مختلفة، وتكاثر أعمال الشغب والسرقات والنشل ليست سوى جزء من هذا الصراخ… وما يجعل الباب مفتوحاً أمام مزيد من التداعيات، هو وجود سلطة من الهواة، يُديرها سلاح “حزب الله” من جهة، وعبث جبران باسيل من جهة أخرى… المُعاناة طويلة بانتظار تطورات الخارج في دمشق وبغداد وطهران…”.
الأوضاع المعيشية والإقتصادية
ولا يختلف اثنان في طرابلس والشمال على أنّ الفقر والإهمال، والتراجع الكبير إلى حدِّ العدم في الخدمات العامة والخاصة، عائدة بشكل كبير إلى غياب نواب المنطقة عن ساحتها. وفي هذا السياق، يشير الصحافي وهبي إلى أنّ “نواب المدينة، بغضّ النظر عن نياتهم، قد أظهروا عجزاً كبيراً أمام توالي الأحداث وهول التداعيات الاجتماعية، ما جعلهم يكتفون باجتماع أو إجتماعين يتيمَين، لا يُقدِّمان ولا يؤخّران في مسار إنحدار وضع الناس وطرابلس. لقد فشل النواب في تقديم أداء بمستوى الحدث”.
التسوّل ومظاهر أخرى
وقعت طرابلس في شرك الفقر بالكامل، ومن مظاهر هذا الفقر، ازدياد أعداد المتسوّلين في الشوارع، وهناك من صارت حاويات النفايات ملجأ يومياً لهم، في محاولة لإيجاد ما يمكن أن يُؤكل. وكلّما زادت حالات الفقر وارتفعت نسبته، كلما شكّل ذلك مجالاً أوسع لتفشّي هذه الظواهر الاجتماعية والسلوكية السيئة. والمطلوب اليوم، وقبل أي وقتٍ مضى، أن تُعاود الدولة حضورها في هذه المناطق وترفع الفقر والإهمال عنها، لأنّ حل هذه المشاكل ليس أمنياً بحتاً، بقدر ما هو حلّ لوجستي عملي في الأداء والنيّة والمضمون.