كتبت مرلين وهبة في صحيفة “الجمهورية”:
قرّر «حزب الله» أخذ لبنان الى الشرق وعزله «غرباً»، هذا ما قرأه اللبنانيون واستنتجه المحلّلون واستخلصه «الغربيون» من خطاب الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله.
الّا انّ البعض في لبنان قرأوا الخطاب بشكل معاكس، معتبرين انّ «حزب الله» يدرك تماماً انّ الترابط بين لبنان والغرب تاريخي، ولأنّ «حزب الله» قارئ جيد للتاريخ، فهو يعلم جيداً انّ قرار الاتجاه شرقاً لا يمكن له اتخاذه منفرداً بل مع جميع المكونات في الوطن.
لهذا السبب، يوضح هؤلاء غاية الحزب وهدفه الرئيسي من الخطاب، ويرون أنّه إعلان عن وجوب توجّه لبنان الى الشرق، وأنّه يحمل في طياته رسائل سياسية تصعيدية، وهو تالياً اعلان موقف انما ليس قراراً.
اما في الحسبة اللبنانية، يتساءل المراقبون اذا كان امين عام «حزب الله» حسن نصرالله، يدرك كم عدد الشبان من مناصريه ومن جمهور الحزب الذين يتلقون التعليم في أميركا وفرنسا وايطاليا ويعملون هناك ؟!، ولذلك يعتبر هؤلاء، أنّ موضوع الشرق والغرب ليس قيد البحث، بالإضافة الى أنّ لبنان منفتح على الشرق والغرب معاً، انما في السياسة العقائدية العريضة، اي المدرسة العقائدية والعسكرية فعنوانها غربي ومن الصعب جداً تغييره. أما العنوان الأصح لخطاب نصرالله الاخير، فيمكن تسميته وفق هؤلاء «بالمواجهة الشاملة» وعبر محورين:
1 – «المقاومة الزراعية الصناعية والاقتصادية»، وهذا الامر صائب ولا يقف ضده اي فريق، علماً انّ الحزب فعّل منذ اشهر هذا «الجهاد»، عندما ابلغ مقاتليه في بيروت بضرورة العودة الى قراهم والاهتمام بحقولهم واراضيهم.
2 – المواجهة السياسية: وهي مواجهة على كافة الاصعدة، مع الولايات المتحدة الاميركية، وفي السياسة مع الداخل اللبناني. فأميركا تهاجم الحكومة وتعارضها، والحزب يدعم الحكومة ويمنع إسقاطها أو استقالتها.
وعليه، يرى المراقبون، انّ الحزب يحاول ايجاد منفذ للحصار الاقتصادي الذي فُرض عليه، من خلال «انفتاحه» على العراق وارسال تجار الى ايران. الّا انّ «قانون قيصر» يطرح نفسه كحاجز رسمي و»جدّي» أمام طموحات الحزب.. وهنا لا بدّ من التذكير، أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أقرّ شخصيّاً بأنّ «قانون قيصر» يعرقل الخطوات الروسية في سوريا، فكيف سيكابر البعض في لبنان، وهل هم اقوى من روسيا؟ وكيف سيتمكن لبنان من التعاطي التجاري مع العراق من دون المرور بسوريا؟ علماً أنّ المرحلة الثانية من «قانون قيصر»، أي مرحلة التنفيذ، تبدأ خلال أيام، بالإضافة الى أنّ التجارة مع ايران دونها عقبات عديدة، فهي تخضع للعقوبات الدولية وليس العقوبات الاميركية فقط، والتجارة معها ممنوعة، فكيف سيجد لبنان الممر لذلك، وهل ستسمح الدولة اللبنانية «بتهريب قانوني» ام ستلجأ إلى طرق أخرى غير معلومة؟
وهنا لا بدّ من الاشارة الى المواجهة المباشرة التي تمثلت بخطاب نصرالله التصعيدي الأخير تجاه السفيرة الأميركية دوروثي شيا، ومن خلفها الولايات المتحدة، والتي سارعت السفيرة بالردّ عليها، وكذلك فعل وزير الخارجية مايك بومبيو. كما تجسّدت تلك المواجهة المباشرة بزيارة قائد المنطقة الوسطى الجنرال ماكينزي الى لبنان، ولهذه الزيارة دلالات عدة. كذلك فأنّها المرة الاولى ايضاً نرى ردة فعل شعبية حادّة مندّدة بالزيارة. ومن هنا جاز طرح السؤال التالي: المواجهة الى أين؟ هل تستمر أم تستعر؟ وإن استمرت المواجهة فإلى متى وما هي حدودها؟
مصادر مطلعة ترجّح فرضية استمرارها بوجود «ايران النووية»، التي ما زالت تسعى لتطوير منشآتها النووية، لكنها لم تستحوذ على كفاياتها منه، ولذلك ستبقى حالة المدّ والجزر والتفاوض معها قائمة، والمواجهة ستستمر و»سيقوى نبضها» حتى تاريخ الإنتخابات الاميركية وبداية العهد الاميركي الجديد، عندها سيتخذ الرئيس الجديد او ترامب، قراره لمدى 4 سنوات مقبلة عن كيفية معالجة الملف النووي الايراني.
هو الاحتمال الذي ترجحه مصادر ديبلوماسية، وهو الاكثر خطورة. إذ تعتبر تلك المصادر، انّ ترامب سيذهب الى انتخابات رئاسية في مطلع السنة المقبلة، في تشرين الثاني، غير مطمئن كما كان في السابق، فأخصامه ركّزوا على اخفاقه في جائحة كورونا، في وقت كانت حظوظه مرتفعة بشكل ملحوظ قبلها بحسب الاحصاءات، ولذلك هو يبحث عن ورقة قوية تدعمه في الانتخابات المقبلة، والورقة الوحيدة التي يمكن الدخول بها الى الانتخابات هي ورقة ايران – «حزب الله» في لبنان وسوريا والعراق .
أما ما يرجّح اكثر هذه الفرضية، فهي زيارة بومبيو منذ اسبوعين الى إسرائيل، ومنذ تلك الزيارة «يحيّك» الطيران الاسرائيلي فوق سوريا كما كان يفعل عام 2006 في لبنان، ويقوم بضرب اهداف محدّدة لـ»حزب الله» هناك …وكل هذا يحدث تحت مرأى ومسمع روسيا، ما يؤشر الى اتفاق معها. بالاضافة الى توجيه ضربة عبر غارتين في طهران وداخل ايران استهدفتا من خلالها المنشآت النووية.
وتضيف تلك المصادر، انّ توتر «حزب الله» لم يبدأ اليوم، بل عندما قال نصرالله بالثلاثة «نقتلكم» فـ»علّى السقف» أكثر من الأمس، بعكس مما ظنّ البعض، والسبب مردّه وفق تلك المصادر، ليس فقط الى نقص السيولة المالية التي كانت إيران تطمره بها، بل أيضاً بسبب قرار المحكمة الدولية، التي ستُصدر الحكم النهائي خلال أيام، بعدما كان من المفترض صدوره في 30 حزيران، الّا انّه تأجّل لأسباب تتعلق بالرعاية الدولية ولأسباب خاصة.
وهنا لا بدّ من الإشارة بحسب المصادر الى أهمية زيارة قائد المنطقة الوسطى الى لبنان، في تاريخ ذكرى حادثة تفجير مقر المارينز في بيروت، التي تكمن خلفها رسالة تقول، انّ المحكمة الدولية آتية قريباً، وانّ من قام بتفجير مقرّ المارينز هي نفسها الجهة التي قامت بالاغتيالات السياسية، وانّها ستنال عقابها، لأنّ المحكمة على الطريق.