Site icon IMLebanon

66 إصابة بعد “التعايش” مع “كورونا”: أين الخطّة؟

كتب هديل فرفور في صحيفة “الأخبار”:

رغم أن عدد الإصابات بفيروس كورونا أمس كان «صادماً»، أمس، إلا أن المعطيات لا تزال حتى الآن تشي بنوع من السيطرة على الوباء. صحيح أن مقولة «لا داعي للهلع» الشهيرة قد تصلح حتى الآن، إلا أن ما قد يستدعي الهلع جدياً هو أن الاستهتار في التعاطي مع الفيروس في المرحلة المُقبلة، سيتزامن مع انهيار عام تعاني منه البلاد يشمل القطاع الصحي. وهذا الاستهتار لا يتحمل مسؤوليته المغتربون الهاربون من الحجر فقط

يوم قُرّرت إعادة فتح المطار، كان المعنيون يُدركون جيّداً المخاطر المترتّبة عن ذلك الأمر، لكنهم فضّلوا «التعايش» مع فيروس كورونا، أسوةً ببقية البلدان التي ما عادت تحتمل الإقفال، وخصوصاً أن لبنان كان صاحب الحجة الأقوى في استعجال فتح الأجواء ربطاً بالأوضاع الاقتصادية المتدهورة، مع التشديد (أكثر من مرة على لسان كل من رئيس الحكومة حسان دياب ووزير الصحة حمد حسن) على أنّ الموجة الثانية من الوباء آتية لا محالة، «وعلينا التحضير لها عبر تشديد إجراءات الحماية والوقاية». عشرة أيام مضت على إعادة فتح المطار، ولكن من دون أن تظهر أي ملامح تشدد أو أي أثر لأي مستوى من التأهب المطلوب لمنع الانزلاق إلى خطر الانتشار الوبائي المحلي.

أمس، وقُبيل صدور التقرير الرسمي المتعلق بالإصابات اليومية بالفيروس، حذّر وزير الصحة من أن «عدد المُصابين، اليوم (أمس)، سيكون صادماً لأنّ هناك مغترباً اختلط مع محيطه وحضر عرساً وذهب إلى المسبح من دون أن يأخذ الاحتياطات اللازمة أو يلتزم بالحجر»، في سياق يُذكّر بالمسؤولية الملقاة على المُغتربين وبحجم المخاطر المترتبة عن تفلّتهم من الحجر المنزلي.
هناك مسؤولية على المغتربين؟ بالطبع. لكن المسؤولية الأساسية تبقى على صناع القرار الذين راهنوا على «ضمير» الوافدين وهمّشوا خطوة إعداد خطة للحجر الإلزامي كان من المفترض أن تُفعّل مع أول رحلة إجلاء نُظمت لإعادة الوافدين إلى البلاد. كيف يُمكن تعزيز خطاب مسؤولية المُقيمين وأهمية احترام الإرشادات لإشراكهم في مسؤولية رسم مسار الوباء من دون أن يُرفق بخطوات «رسمية» جدية تُذكّرهم على الأقل بجدية الوضع؟ وماذا عن آليات الرقابة على المطاعم والمراكز التجارية والشواطئ وسيارات الأجرة وأماكن الاختلاط؟ وإذا كانت الحجة الأساسية لإعادة فتح المطار استقطاب السياح، ما هي الإجراءات المتبعة لمراقبة تحركات هؤلاء خلال الساعات الـ72 الأولى لوصولهم في أماكن إقامتهم (وفق ما كانت تقتضيه خطة وزارة السياحة)؟ وما هي آليات تمكين البلديات والسلطات المحلية من مساعدة موظفي الوزارة الذين باتوا مُستنزفين منذ بداية اندلاع الوباء؟. قبل أيام أقرّت مُنظمة الصحة العالمية بأن الفيروس ينتقل عبر الجسيمات الدقيقة العالقة بالهواء، وهو ما يحتّم التشدد بارتداء الكمامات، فماذا عن إجراءات فرض ارتدائها وما هو مصير محاضر الضبط المنظمة بحق المخالفين؟
الإجابة عن هذه الاستفسارات قد تبدو ترفاً في بلاد مشغولة بالانهيار، وتوقُّف مواطنيها منذ أسابيع عن متابعة عدّاد الفيروس، إلا أن إهمالها لا يعني إلا المزيد من الانهيار. أمس، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروش غيبريسوس إن الفيروس ليس تحت السيطرة في معظم أنحاء العالم ويزداد سوءاً، لافتاً إلى أن الدول تواجه توازناً دقيقاً بين حماية شعوبها والحفاظ على الخدمات الصحية الأساسية مع تقليل الضرر الاجتماعي والاقتصادي (…). يعني ذلك أن الاستهتار في التعاطي مع الفيروس في المرحلة المُقبلة يتزامن مع انهيار جسيم تعاني منه البلاد يشمل القطاع الصحي مع تهديد المُستشفيات الخاصة بالإقفال خلال ثلاثة أسابيع، ومع استمرار أزمة استيراد المُستلزمات الطبية، ما يعني أن فرص النجاة وتدارك الفيروس لن تكون مضمونة كما كانت في المرحلة السابقة وإن كانت الأرقام حالياً لا تزال تُنذر بأن الوضع بشكل عام «تحت السيطرة» وفق ما قال حمد.

الاستعجال بالتبليغ قبل سنة هدفه تخويف المدعى عليهم

وكانت وزارة الصحة أعلنت أمس تسجيل 66 إصابة جديدة (22 من الوافدين و44 من المُقيمين المخالطين)، ليرتفع اجمالي الإصابات إلى 2011، في مقابل وصول عدد حالات الشفاء إلى 1368، ما يجعل عدد المُصابين الفعليين 607، بينهم 38 فقط يُعالجون في المُستشفيات (10 منهم حالتهم حرجة).
في المُحصّلة، قد تصحّ مقولة: «لا داعي للهلع» الشهيرة لوزير الصحة حتى الآن، إلا أنّ سجّل البلاد في إدارة الأزمات عموماً، وخلال هذه الأزمة خصوصاً، لا ينبئ إلا بمزيد من الهلع، ويُحتّم فعلاً أن يحمي المقيمون أنفسهم وأن يعتمدوا على مبادراتهم الفردية ليُقاوموا خطر الوباء، كما خطر الجوع والفقر.