كتب عمر البردان في صحيفة “اللواء”:
مع اشتداد المواجهة الأميركية الإيرانية، تتزايد المخاوف من تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية، مع ما يمكن أن يحدثه ذلك من انفلات أمني تم التحذير منه منذ فترة، خاصة وأن لبنان بات ساحة مكشوفة لتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران، في ضوء الحرب الكلامية الدائرة بين المسؤولين الأميركيين والإيرانيين، ودخول «حزب الله» في لبنان على خط الصراع الدائر، والذي سيفاقم الأزمة القائمة ويفتح أبواب المواجهة الدائرة على مصراعيها. وهذا بالتأكيد أمر بالغ السلبية على لبنان الذي يعاني أزمة اقتصادية ومالية خانقة، قد لا يكون الخروج منها سهلاً في حال تصاعدت حدة الاشتباك الأميركي الإيراني، ما سيدخل المنطقة ومعها لبنان في مرحلة شديدة التعقيد لا يمكن التكهن بالنتائج التي ستتمخض عنها.
وتخشى في هذا الإطار أوساط نيابية بارزة كما تقول لـ«اللواء»، أن ترتفع وتيرة العجز الحكومي أكثر بكثير مما هي عليه الآن، في حال اشتدت حرارة الكباش الأميركي الإيراني، بالنظر إلى نتائجه المتوقعة على الساحة الداخلية، وفي ظل أوضاع إقتصادية ومالية سيئة للغاية، الأمر الذي يفرض على السلطة العمل من أجل حماية البلد من أي تداعيات محتملة، من خلال التأكيد على مبدأ الحياد والنأي بالنفس عن صراعات المنطقة، كما جاء في إعلان بعبدا، للتخفيف قدر المستطاع من الانعكاسات. في ظل توافر معلومات تشير إلى أن الضغط الأميركي على إيران وأذرعها في المنطقة، سيتواصل وبشكل أكثر قوة في المرحلة المقبلة، ما سيجعل «حزب الله» في دائرة الاستهداف مجدداً، من خلال توسيع دائرة العقوبات، وبالتالي فإن لبنان لن يكون بمنأى عن هذه الانعكاسات.
ولأن الوضع الداخلي وصل إلى مرحلة بالغة الخطورة، وسط الحصار الذي يعانيه البلد مع تفاقم أزمة الدولار الأميركي، وغياب المؤشرات عن أي دعم مالي محتمل من الأشقاء والأصدقاء، فإن المعلومات تشير وفق ما تقوله المصادر، إلى أن فرنسا تحاول من خلال زيارة وزير خارجيتها جان إيف لودريان المتوقعة إلى بيروت في الأيام المقبلة، التأكيد على أن المجتمع الدولي مستعد لمساعدة لبنان، وإخراجه من أزماته، إذا ما باشرت الحكومة الحالية، أو أي حكومة قد يصار إلى تشكيلها في مرحلة لاحقة، القيام بالإصلاحات المطلوبة التي التزم بها لبنان في مؤتمر «سيدر»، لأن الوضع المالي في لبنان بلغ منعطفاً حاسماً، ما عاد التساهل حياله مسموحاً. حيث سيشدد الجانب الفرنسي على أن الوصول إلى نتائج إيجابية على صعيد المفاوضات مع صندوق النقد مرتبط بالدرجة الأولى، بالمسار الإصلاحي الذي سيقوم به لبنان، وسط حديث عن ملاحظات سلبية أولية عن الطريقة التي جرت فيها التعيينات في مؤسسة كهرباء لبنان، وتحديداً ما يتصل بإنشاء الهيئة الناظمة التي أفرغت من مضمونها، من خلال التعديلات التي أبقت الصلاحيات بيد وزير الطاقة.
وتخشى الأوساط، من أنه في حال استمرت سياسية اللامبالاة القائمة، أن يدفع لبنان الثمن غالياً، نتيجة هذا الصراع الإقليمي المحتدم، وهو ما أشار إليه الرئيس سعد الحريري من بكركي، لأنه يدرك أكثر من غيره، مدى الصعوبات التي واجهها البلد في المرحلة الماضية، وما ينتظره من استحقاقات داهمة، ستزيد من عمق الهوة، طالما أن الفريق الممسك بمفاصل السلطة لا يريد تنفيذ الإصلاحات المطلوبة منه، أو أنه يريد تنفيذ الإصلاحات التي تناسبه، وهو أمر لا يستقيم مع مصلحة لبنان، لإن الإصلاح إما أن يكون جدياً وشاملاً أو لا يكون. ويأخد المجتمع الدولي والدول المانحة على هذه الحكومة تباطؤها في القيام بالخطوات الإصلاحية المطلوبة منها، من أجل التخفيف من حجم الأضرار التي فاقمت بشكل كبير حجم الأزمة التي يمر بها لبنان، مع ما يمكن أن يلحقه ذلك من تداعيات، لن تكون معها عملية النهوض في المستقبل، ممكنة إذا لم يحصل تغيير جذري في الممارسة.
وتكشف، أن خيارات التوجه شرقاً، تبدو محدودة في ظل إمكانات لبنان الحالية، عدا عن أن هناك عوائق كثيرة تحول دون نجاح هذه التجربة، باعتبار أن اقتصاد لبنان الحر لا يمكن أن يستقيم مع أنظمة وقوانين الدول الشرقية، كإيران والصين وغيرهما. وبدل التلهي بمثل هكذا طروحات، لماذا لا تقوم الحكومة بما عليها من واجبات لإنقاذ البلد، فتعمل على الالتزام بتنفيذ برنامج الإصلاح الفعلي، وتستعيد ثقة المجتمعين العربي والدولي، الأمر الذي قد يفتح الطريق أمام لبنان للحصول على مساعدات مالية تنقذه من واقعه المأزوم قبل فوات الأوان، دون المراهنة غير المجدية على خيارات أخرى لن توصل إلى مكان.