صحيح أن مبادرة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي التي ضمت بكركي إلى المنادين جهارا باعتماد سياسة التحييد، تعطي زخما ودفعا قويين للمطالبين بتطبيق إعلان بعبدا الهادف أولا إلى إبعاد لبنان عن صراعات المحاور، بعدما كان حزب الله أول المتنصلين من توقيعه على هذه الوثيقة التي اعترفت بها الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، على رغم أن زينة الميلاد أحرقتها في بعبدا بشكل مريب عام 2016 .غير أن التصعيد الذي بادر إليه الراعي ليس الا الرد على الضغط الذي يمارسه حزب الله لحض حكومة الرئيس حسان دياب على التوجه شرقا. بدليل أن رئيس الحكومة لم يتأخر في “تلبية طلب” السيد حسن نصرالله في هذا المضمارـ فحط سفير الصين في السراي الأسبوع الفائت يليه وفد عراقي. مع العلم أن دول الخليج العربي لن تقدم اي مساعدة للبنان قبل التأكد من أنه سيضع الحياد على سكة التنفيذ، وأن حزب الله سيحرر القرار الرسمي من قبضته.
مصادر سياسية اشارت عبر “المركزية” إلى أن الحياد لا يعني إدارة الظهر للغرب، كما لا يعني القفز في أحضان دول الشرق التي تقود لبنان إلى عزلة دولية هو في غنى عنها، خصوصا في هذا التوقيت الاقتصادي الحساس والخطير. وما بين الموقفين، خط رفيع رأت المصادر أن الحكومة تستطيع أن تعتبره فرصة جديدة لأثبات استقلاليتها، بعدما سجلت فشلا ذريعا في هذا المجال، في كثير من التجارب السابقة، والتي يبقى أبرزها التعيينات المالية، حيث تجلت المحاصصة في أوضح صورها.
ودعت المصادر الحكومة المستقلة والمؤلفة من اختصاصيين إلى اتخاذ القرار الجريء الذي يقضي بإزالة صور الشخصيات غير اللبنانية المنتشرة على طول طريق المطار، الذي يعد بوابة لبنان من وإلى العالم ويقع على مقربة من منطقة كرس فيها حزب الله نفوذه المطلق، غير أن هذا الأمر الواقع لا يعطي الحزب حق نشر صور الامام الخميني، والمرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية آية الله علي خامئني، والقائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني الذي اغتالته واشنطن في بغداد في أوائل العام الجاري.
ونبّهت المصادر إلى أن نشر صور هذا النوع من الشخصيات السياسية على طريق المطار تحديدا يشكل نوعا من التحدي والاستفزاز للجهات الدولية، لا سيما الغربية منها الراغبة في مساعدة لبنان، بالرغم من ممانعة حزب الله، إضافة إلى أنها ليست إلا محاولة جديدة من الضاحية لتأكيد سيطرتها على القرار السياسي في البلاد، والقدرة على جرها إلى محور اقليمي معين، بما قد لا يصب في مصلحة البلاد.
واكدت ان الحكومة التي انحرفت في شكل واضح منذ تشكيلها في اتجاه المحور المناوئ للغرب بفعل ممارساتها التي لم تنجز اصلاحا واحدا على الاقل ولا قدمت لصندوق النقد الدولي ما يؤكد جديتها في هذا الاتجاه، بل مضت في ” الانصياع” لرغبات عرابيها المناهضة للمجتمع الدولي، وبعدما اقفلت كل ابواب الدعم في وجهها، مطالبة في ما لو ارادت اظهار ذرة حسن نية ان تعمد الى ازالة الصور المستفزة لشريحة واسعة من اللبنانيين، قبل الزوار الاجانب، المنتشرة على طريق المطار، ذلك ان القادمين من الخارج وحينما يسلكون هذا الطريق يعتقدون لوهلة انهم في الجمهورية الاسلامية الايرانية، لا في لبنان الانفتاح والحياد والحضارة وقبلة انظار السياح في الشرق والغرب…فلتبادر في الحد الادنى الى اعادة لبنان للبنانيته ولتستبدل صور زعماء الخارج بأخرى لمواقعه السياحية الجميلة اذا ما توافرت النية لذلك.