كتب طارق ترشيشي في “الجمهورية”:
يؤكّد مرجع ديبلوماسي، انّ «تطوراً ايجابياً» طرأ على الموقف الاميركي- الغربي من التطورات الجارية في لبنان، في ضوء الأزمة السياسية والمالية والاقتصادية والمعيشية المتفاقمة، مشيراً الى انّ هذا التطور يثير الاستغراب نتيجة «وضوحه الشديد».
وفيما يثير كلام هذا المرجع الديبلوماسي الاستغراب، في ضوء التصعيد المتفاقم بين الولايات المتحدة الاميركية وخصومها في لبنان والمنطقة، والذي يُنبئ بجولات جديدة من النزاع بين الجانبين، يقول المرجع نفسه، انّه قرأ هذا «التطور الايجابي» في الموقف الاميركي من خلال زيارة قائد المنطقة المركزية الوسطى للجيش الاميركي الجنرال كينيث ماكينزي للبنان قبل أيام، وتأكيده اهمية الحفاظ «على امن لبنان واستقراره وسيادته»، وتشديده على «الشراكة القوية بين الولايات المتحدة الاميركية والجيش اللبناني». وكذلك من خلال إعلان وزير الخارجية مايك بومبيو، غداة زيارة ماكينزي، أنّ الولايات المتحدة الاميركية «ستساعد لبنان للخروج من الأزمة، ولا تقبل بأن يتحول دولة تابعة لإيران». كذلك قرأ التطور الاميركي من خلال تجاوز لبنان والادارة الاميركية الأزمة الديبلوماسية التي حصلت بينهما، نتيجة القرار القضائي في شأن تصريحات السفيرة الاميركية دوروثي شيا، التي بعد استدعائها الى الخارجية اللبنانية وحديثها عن «تجاوز الأزمة»، باشرت جولة على المسؤولين اللبنانيين، رشح منها انّها ابدت استعداد بلادها للبحث في منح لبنان استثناءات من «قانون قيصر» ضد سوريا، وكذلك الاستعداد لاستئناف الوساطة الاميركية في شأن ترسيم الحدود البرية والبحرية وتسوية النزاع اللبناني – الاسرائيلي حول الحدود البحرية، وخصوصاً المنطقة المتنازع عليها، والتي يتهم لبنان اسرائيل بقرصنتها، وذلك في ضوء قرار اسرائيل الاخير التنقيب عن النفط والغاز فيها.
وفي رأي المرجع نفسه، انّ هذا الموقف الاميركي، الذي اعقب دخول الصين على خط الاستثمار في لبنان، بناء على دعوة حكومية لبنانية، انعكس ايجاباً على الموقف الاوروبي عموماً والفرنسي تحديداً، حيث أُعلن عن زيارة سيقوم بها وزير خارجية فرنسا الى لبنان قريباً. والجميع يعرف هنا طبيعة العلاقة الخاصة التي تربط بين لبنان وفرنسا، وكذلك الدور الفرنسي في شأن مؤتمر «سيدر» ومقرراته المالية في شأن لبنان.
وكذلك انعكست هذه «الإيجابية» الاميركية على دول الخليج، فكانت الحركة التي يقوم بها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، واعلان بعض دول الخليج، ولا سيما منها الكويت وقطر، استعدادها لمساعدة لبنان على تخطّي ازمته المالية والاقتصادية الخانقة.
على انّ هذا المرجع الذي يتفاءل بصيرورة لبنان الى السير على سكة الحلول قريباً، يُرجع اسباب هذه «الايجابية» الاميركية ـ الاوروبية ـ الخليجية الى الثابتة الدائمة، والتي تتكرّر في كل المواقف الاقليمية والدولية. وتشدّد على وجوب الحفاظ على استقرار لبنان ومنعه من الانهيار، لما للجميع من مصلحة في ذلك، على رغم التناقضات، وربما النزاعات في ما بين اصحابها. اذ انّ لبنان بموقعه الجغرافي والجيوسياسي يوفّر للجميع مصالح حيوية لا يمكنهم التخلّي عنها، وبالتالي يحاذرون وصوله الى الانهيار الشامل، لما ينطوي عليه من اضرار على مصالحهم، وعلى رأسها المصالح الاميركية، وذلك على رغم العداء المستحكم بين واشنطن و»حزب الله» والمحور الذي ينتمي اليه.
واكثر من ذلك، يردّ المرجع الديبلوماسي «التحوّل الايجابي» الاميركي الى حصول تطورات ايجابية في المفاوضات الجارية، عبر قنوات عدّة، بين واشنطن وطهران. وهذه التطورات يعكسها ما يحصل من تبادل اطلاق موقوفين وخطوات أخرى لا يُعلن عنها بين الجانبين.
والى ذلك ايضاً، يؤكّد المرجع الديبلوماسي، إنّ معاودة المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي هي من نتاج هذا الموقف الاميركي المستجد، إذ لا يمكن للصندوق ان يعود الى هذه المفاوضات لو لم يحصل على ضوء اخضر اميركي، خصوصا وانّ الجميع يعلم تأثير واشنطن في عمله، الى درجة حقها في الفيتو او عدمه، على اي قرار يتخذه في شأن مساعدة اي دولة من عدمها حول العالم، حيث انّ الاميركيين وحلفاءهم يشكّلون الغالبية المُقرّرة في اجتماعات الصندق.
لكن المشكلة التي يواجهها الصندوق مع لبنان، في رأي المرجع الديبلوماسي، تكمن في أنّ القوى السياسية والحكومة لم تلبيا بعد المتطلبات الاصلاحية، حتى يبني صندوق النقد والمجتمع الدولي على الشيء مقتضاه لتقديم المساعدة. فمثلاً في موضوع الكهرباء، جاؤوا بمجلس ادارة على اساس المحاصصة، وها هم يحاولون تعيين هيئة ناظمة للقطاع الكهربائي على اساس المحاصصة ايضاً، وكذلك الخلاف على توحيد ارقام الخسائر المالية للدولة الذي جعل صندوق النقد في حيرة من امره، ما تسبّب أخيراً بتعليق المفاوضات الى إستؤنفت أمس، على أساس طرح كل الارقام امام الصندوق ليدرسها ويختار اياً منها او يبادر الى طرح ارقامه هو، وهي ارقام يُقال انّها قريبة من ارقام الحكومة أو تتماهى معها.
لذلك، يعود المرجع الى التأكيد انّ الموقف الاميركي «الايجابي المستجد» يقود منظومة كاملة تضمّ الى واشنطن باريس والرياض وغيرها من عواصم دول الخليج العربي، في اتجاه الدفع لمعالجة الازمة اللبنانية بغض النظر عن الوضع في المنطقة، لأنّ ما بلغه الوضع في لبنان من خطورة بدأ يشاغب على الوضع في المنطقة، والمشاريع التي تعمل هذه المنظومة على تنفيذها فيها. ويشير هذا المرجع الديبلوماسي، الى انّه كان يستغرب بشدة «الصمت الطويل الذي التزمته هذه المنظومة إزاء تدهور الاوضاع في لبنان، في ضوء شبكة مصالحها الحيوية فيه. ويقول، انّها حسناً فعلت في تحرّكها بقوة الآن ولو متأخّرة. ويتوقع أن تبدأ نتائج هذا التحرّك في المدى المنظور، وسيكون أحد عناوينها ما ستسفر عنه المفاوضات مع صندوق النقد، وذلك تحت عنوان «حلّ الأزمة اللبنانية بالتي هي احسن»، على أمل ان يلبّي الجانب اللبناني الاصلاحات المطلوبة منه، ولا يبقى «العقدة» في نظر الجهات المانحة.